يشكل هذا التقرير تتويجاً للجهود التي تبذلها المكاتب الإقليمية والأقسام والمقرات التابعة للإسكوا ومنظمة الأغذية والزراعة. فقد تعاون الشركاء مع خبراء آخرين لإجراء عمليات التقييم وتقديم تحليلات سليمة، ولتحديد مسار عمل ملائم من خلال تقييم التحديات ومحاكاة التوقعات الغذائية القصيرة والمتوسطة الأجل حتى عام 2030 . كان عام 2020 عاماً مثقلاً بالتحديات، رفع المعاناة الإنسانية إلى مستوى غير مسبوق من الناحية الاجتماعية الاقتصادية، ومن الناحية الصحية أيضاً. فقد انتشر فيروس كورونا، وهو مرض معدٍ مستجد، انتشاراً سريعاً وواسعاً، فأوقع نُظُم الرعاية الصحية في محنة وأطلق العنان لحالة من أسرع وأقوى حالات الركود التي شهدها العالم في التاريخ الحديث. في المنطقة العربية، جاءت الجائحة لتفاقم الكثير من التحديات التي سادت منذ عقود، بما في ذلك ارتفاع معدلات النمو السكاني، والنزاعات ونزوح السكان، والفقر والبطالة، وانعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية، والاعتماد الكبير على أسواق الأغذية الخارجية نظراً إلى الندرة المتزايدة للمياه والأراضي الصالحة للزراعة. فإلى أي مدى كانت المنطقة مستعدة لمعالجة هذه الصدمات والتكيُّف معها، وما هي الدروس المستفادة؟ تعرضت بلدان عربية كثيرة في الفترة الأخيرة لاختبارات كبيرة نتيجة مجموعة من الأزمات، بما في ذلك الاضطرابات الاجتماعية السياسية والنزاعات المسلحة، والانتكاسات الاقتصادية المدمرة، مدفوعةً بتدهور أسعار النفط وانخفاض قيمة العملة. وقد أدت هذه الأزمات الحديثة إلى زيادة حدة آثار الأزمات السابقة وتفاقمها. وعليه، وجدت جائحة كوفيد- 19 في المنطقة أرضاً خصبة كي تفاقم مواطن ضعفها الكثيرة، لا سيما تلك التي يعاني منها نظامها الغذائي. فقد تضررت سُبُل عيش الناس وصحتهم، وضعفت ميزانيات الدول أكثر فأكثر، وهذا ما شكل تحدياً لقدرة العديد من البلدان المتوسطة والمنخفضة الدخل على الاستجابة لهذه الأزمة على النحو المطلوب.
يرتكز النظام الغذائي في المنطقة العربية على التجارة الإقليمية والعالمية في السلع الغذائية والزراعية، فيتطلب
بالتالي سلسلة إمدادات غذائية مستدامة تعمل بشكل جيد، فتدر دخلاً وتبني سُبُل العيش مع الحفاظ على الموارد
الطبيعية. لكن جائحة كوفيد- 19 والتدابير المتخذة لوقف انتشارها قلبت سير عمل الأسواق الغذائية رأساً على عقب.
فأدى تقييد التنقلات وتكديس الأغذية إلى تفريغ مؤقت لرفوف المتاجر، في حين تم التخلص من الأغذية الطازجة
مع انخفاض طلب المطاعم والمشترين المؤسسيين الآخرين عليها. فترك هذا الأمر أثراً شديداً على الأعمال التجارية
المتصلة بالأغذية، وأدى إلى ارتفاع معدلات البطالة، وخسارة المداخيل، وزيادة الفقر.
يأتي هذا التقرير في الوقت المناسب ليسلُط الضوء على كيفية تأثير جائحة كوفيد- 19 على الأمن الغذائي في
المنطقة، مع التركيز على مَواطن الضعف والهشاشة الكامنة في النُظُم الغذائية، وقابليتها الشديدة للتعرض للصدمات.
وقد أُجريت عمليتا محاكاة بشأن أثر جائحة كوفيد- 19 ، إلى جانب إسقاطات لنتائج صدمات السوق، مثل ارتفاع أسعار
الأغذية، ونتائج التحسن الملحوظ في إنتاجية الحبوب، من أجل تحديد التوصيات الرئيسية لتعزيز قدرة أسواق
الأغذية على الصمود. ويعرض هذا التقرير أيضاً دراستَي حالة عن الأمن الغذائي في لبنان واليمن. ويقدم التقرير
على امتداد أجزائه خيارات للاستجابة لانعدام الأمن الغذائي المتزايد، ومعالجة الوضع الراهن الذي يعاني منه الغذاء
والتغذية، والحد من أوجه الضعف، والاستجابة لجائحة كوفيد- 19 من أجل تسليط الضوء على الطرق البديلة لتعزيز
قدرة المنطقة على مواجهة الصدمات المستقبلية.
وعليه، يشكل التقرير مرجعاً مفيداً فيما تسعى المنطقة إلى إعادة البناء بشكل أفضل. وتأمل منظمتا الإسكوا والفاو
أن يساعد مضمون هذا التقرير والنتائج التي توصل إليها في توجيه عملية وضع السياسات وتخطيط البرامج في
المنطقة، وفي دعم البلدان على التقدم بثقة أكبر نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة، لا سيما الهدف 2 منها، إلى
جانب أهداف أخرى تدعم تحقيق الأمن الغذائي.