من الصعب تحليل الوضع الاقتصادي في عالم لا يزال يعاني من تفشي جائحة كوفيد- 19 . فالجائحة ألقت على الاقتصاد بأعباء جسيمة سيتضح لها مزيد من التداعيات مع الوقت. ومما لا شك فيه أن وقع الجائحة سيمتد طوال عام 2021 وما بعده، ولذلك فإن فهم طرق تعامل البلدان العربية مع آثار الجائحة الاقتصادية في غاية الأهمية. وينطلق هذا التقرير من سيناريوين: أولهما معتدل، يتوقع انتهاء الأزمة وعودة الاقتصاد إلى زخمه في الربع الأول من عام 2021 ؛ وثانيهما يميل إلى التشاؤم، فيتوقع استمرار الأزمة خلال الربع الأول من عام 2021 . لكن التقدم المتسارع في البحوث عن لقاحات للفيروس سيدفع، على الأرجح، الاقتصادات نحو استعادة زخمها في الربع الثاني من عام 2021 على أبعد تقدير. وقد بدأت صدمة الجائحة إزاء خلفية من التباطؤ الاقتصادي العالمي، وتسببت بعمليات إغلاق واسعة النطاق، ضيّقت الخناق على الاقتصاد العالمي، بحيث شهد انكماشاً لا يقل، حسب التقديرات، عن 3.2 في المائة في عام 2020 . ويتوقف التعافي من هذه الحالة، خلال عام 2021 ، على مدى فعالية مجموعات الحوافز التي اعتمدتها الحكومات استجابةً لأزمة الجائحة، وسرعة انتعاش الأعمال التجارية. والتقدم في البحوث عن لقاحات لكوفيد- 19 يدعو إلى قدر من التفاؤل، فيتوقع أن يعود نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي إلى 4.2 في المائة في عام 2021 ، حتى وفقاً للسيناريو المتشائم. وإذا حالت الحوافز التي اعتمدت خلال عام 2020 دون وقوع خسائر فادحة لدى الشركات، قد يصل نمو الناتج المحلي العالمي إلى 5.4 في المائة في عام 2021 ، السيناريو المعتدل.
● ستتسبب جائحة كوفيد-19 بركودٍ عالمي أعمق من الذي تسببت به الأزمة المالية العالمية في عام 2008 ● ويُتوقع للناتج المحلي الإجمالي العالمي أن ينكمش بنسبة 3.2 في المائة في عام 2020، وأن ينتعش في عام 2021 إذا نُفِّذت الشروط اللازمة لذلك، وإلا، فقد يبلغ انكماش النمو العالمي ما نسبته 4.9 في المائة في عام 2020.
● في عام 2020، تعرضت سوق النفط لصدمات متزامنة في الطلب والعرض أدت إلى انخفاض حاد في أسعار النفط، حتى بلغت أدنى مستوياتها في 21 نيسان/أبريل 2020.
● سيكون للأزمة العالمية الراهنة آثارٌ عميقة على المنطقة العربية، تطال البلدان العربية المصدِّرة للنفط التي ستخسر من جراء انخفاض الطلب العالمي على الطاقة، وكذلك العديد من بلدان الدخل المتوسط التي سيتعثر فيها النمو وفرص العمل الجديدة نتيجة لتراجُع أنشطة السياحة والنقل. سيؤثر تدهور الوضع الاقتصادي في البلدان المتقدمة النمو على تدفق الاستثمارات والتحويلات المالية والمساعَدة الإنمائية الرسمية إلى أقل البلدان العربية نمواً والبلدان العربية المتأثرة بالصراع.
● تجتمع على المنطقة ظروف الركود الاقتصادي العالمي، والانخفاض الحاد في أسعار النفط، وتباطؤ أنشطة النقل والسياحة، وتدابير الإغلاق، ما سوف يغرقها في ركود عميق في عام 2020. وقد يهبط أداء النمو إلى ما دون الصفر، إلى -3 في المائة. بل ولربما يصل الانكماش في الناتج المحلي الإجمالي إلى -5.7 في المائة إذا ما تدهورت الأوضاع بدرجة أكبر.
● يعتمد الانتعاش في عام 2021 إلى حد كبير على نجاح حزم الحوافز التي تعتمدها بلدان المنطقة، والتي تتجاوز قيمتها 180 مليار دولار، وكذلك على الانتعاش الاقتصادي للبلدان الشريكة وحزم الحوافز المعلنة فيها أيضاً. ● ويتوقف طول فترة الركود على العوامل الخاصة بكل مجموعة من البلدان. فسيرسم اتجاه الطلب على النفط والغاز، وأسعارهما، مسار الانتعاش في بلدان مجلس التعاون الخليجي. وأما بلدان الدخل المتوسط العربية، فانتعاشها مشروط بمدى تفعيل الأنشطة السياحية في أعقاب الجائحة. ويتوقف الاتجاه في البلدان المتأثرة بالصراع على تأثير الجائحة على ديناميات الصراع. وبالنسبة إلى أقل البلدان نمواً العربية، فانتعاشها رهن باستعداد الجهات المانحة والمغتربين لتوجيه المساعدة الإنمائية الرسمية والتحويلات المالية.
● في المنطقة العربية، وحتى قبل جائحة كوفيد-19، كانت الفجوة بين الجنسين في تزايد، مع عقبات داخلية تحُول دون معالجة أوجه عدم المساواة الاجتماعية. وبعد وقوع الجائحة، باتت الأزمات الاجتماعية وتلك المتعلقة بقضايا الجنسين أعمق وأكثر تعقيداً.
● لقد طالت الأعباء التي تسببت بها الجائحة النساء واللاجئين والنازحين داخلياً والعمال المهاجرين بدرجة أكبر من غيرهم. والفجوة بين الجنسين في المنطقة العربية هي الأعلى في العالم، ويبلغ معدلها 40 في المائة. من المتوقع أن ترتفع معدلات الفقر بمقدار 3.2 نقطة مئوية في عام 2020، إلى جانب زيادة بمقدار 1.2 نقطة مئوية في البطالة.
● وتعرِّض هذه الأزمة ما نسبته 31.4 في المائة من مجموع القوى العاملة العربية، أي حوالي 39.8 مليون عامل، لمخاطر اقتصادية. ولا يزال معدل مشاركة النساء في القوى العاملة هو الأقل في العالم، فلا يتجاوز 20.53 في المائة.
● ارتفعت مستويات الديون بشكل كبير في المنطقة العربية منذ عام 2008. وبالمجمل، تزايد متوسط نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي، من 26 في المائة في عام 2008 إلى 45 في المائة في عام 2018. ● ومنذ عام 2011، تجاوز معدل نمو الدين العام في المنطقة العربية معدل نمو الاقتصاد، وقد تفاقم هذا الوضع نتيجة لتبعات جائحة كوفيد-19
● وقد نجم تزايد الديون عن قصور وظيفة الاستجابة المالية، وارتفاع الفارق بين سعر الفائدة ومعدل النمو؛ علاوة على انخفاض تأثير الإنفاق الحكومي في الإنتاجية والنمو. وللإبقاء على مستويات الديون دون 75 في المائة، على بلدان المنطقة أن تحافظ على رصيدها الأساسي عند مستوى الصفر تقريباً، أو أن تُخفِّض الفارق بين سعر الفائدة ومعدل النمو. كما يتعين على الحكومات العربية أن تُصْلِح سياساتها المالية وأن توجِّه إنفاقها بما يُحسِّن تأثيره في النمو.