بعد انقضاء عامين على تفشي جائحة كوفيد- 19 ، يستمرّ الاقتصاد العالمي في مواجهة الأخطار الناجمة عن بطء حمات التطعيم، والمخاوف من موجات الفيروس الجديدة ومتحوّراته، وآخرها أوميكرون. وقد تؤثر هذه العوامل على التعافي الاقتصادي الذي تحقق في عام 2021 . ورغم أنّ الآفاق المحتملة لعامي 2022 و 2023 ما زالت تتسم بطابع إيجابيّ، إذ يُتوقّع أن ينمو الاقتصاد العالمي بنسبة 4.1 في المائة في عام 2022 و 4.2 في المائة في عام 2023 ، يُتوقّع أن يتفاوت توزيع هذا النموّ عبر مختلف مناطق العالم. ويمكن للبلدان المتقدمة التي قدّمت حوافز ماليّة ونقدية سخية وسرّعت حمات التطعيم ضد الوباء أن تتوقع تحقيق معدلات نموّ مرتفعة نسبياً خال عامي 2022 و 2023 ، بينما يُرجّح أن تعاني البلدان النامية التي تشكو من بطء وتيرة حمات التطعيم وضيق الحيّز المالي وتزايد مخاطر أزمات الديون، من تداعيات الجائحة على المدى القصير. ويُتوقّع أن يبقى تضخّم أسعار الاستهلاك مرتفعاً، وأن يصل إلى 3.2 في المائة في عام 2022 و 3.4 في المائة في عام 2023 ، نتيجةً لارتفاع أسعار السلع الأساسية، وانتعاش الطلب، وتعطّل سلاسل الإمداد. وبحلول شهر تموز/يوليو 2021 ، تجاوز سعر سلّة خامات منظّمة البلدان المُصدّرة للنفط )أوبك( 75 دولاراً للبرميل، بينما انتعش الطلب على النفط بمقدار 60 في المائة مقارنة بما فُقد في عام 2020 . وبينما يرجّح مخطّط نموذجي للإسكوا أن يحافظ سعر النفط على المستويات التي سجّلها في تموز/يوليو 2021 ، يُتوقّع أن يعود الطلب على النفط إلى المستويات السابقة للجائحة في أواخر عام 2022 .
لا تزال التوقعات فيما يتعلق بالانتعاش العالمي إيجابية رغم مخاطر بطء حملات التلقيح والموجات الجديدة من جائحة كوفيد- 19 .
ومع ذلك، سيتفاوت توزيع النموّ خلال عامي 2022 و 2023 . وستستفيد المناطق الأكثر ثراء في العالم من حزم تحفيز مالي سخية وتسارع وتيرة حملات التلقيح، بينما ستتقهقر بلدان جنوب الكرة الأرضية.
لقد أعادت جائحة كوفيد- 19 صياغة سلاسل الإنتاج العالمية، ما أدّى إلى إفراز أطراف فائزة، وهي الصين وبلدان الأسواق الناشئة في آسيا، وأخرى خاسرة، وهي بلدان أفريقيا والشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية. كذلك اتّسم التعافي في تجارة الهيدروكربون بوتيرة أبطأ مقارنة بانتعاش الإنتاج الصناعي، ما يشير إلى تحوّل الطلب العالمي نحو السلع المصنّعة وتسارع وتيرة خفض انبعاثات غازات الدفيئة في الاقتصادات المتقدمة.
كذلك أثّرت جائحة كوفيد- 19 على أنماط النقل، إذ بطّأت الطلب على السلع النفطية في المدى المتوسّط. وتتّسم توقعات الغاز الطبيعي والفوسفات الصخري بأنها أكثر إيجابية، لا سيما مع التوجّه نحو إيجاد بدائل للنفط والفحم في قطاع الطاقة وانتعاش الإنتاج الصناعي.
شكّل عام 2021 بداية التعافي الاقتصادي للمنطقة العربية. ويُتوقّع أن يؤدي ارتفاع أسعار النفط وزيادة الطلب على المنتجات النفطية واستئناف الأنشطة السياحية وتحسّن التحويلات المالية وتدفقات المساعدات، إلى دفع عجلة النمو. ولن يتمكّن الناتج المحلي الإجمالي للمنطقة العربية من العودة إلى مستويات ما قبل الجائحة إلا في عام 2022 .
بعد نموّ مُقدّر يبلغ 4.1 في المائة في عام 2021 ، يُتوقّع أن تشهد المنطقة العربية نمواً بنسبة 3.7 في المائة في عام 2022 و 3.6 في المائة في عام 2023 . ويُعزى بعض المخاطر التي قد تخفّض النموّ المتوقّع إلى معدلات التطعيم البطيئة والمخاوف من موجة جديدة من كوفيد- 19 ، التي تبلورت مع ظهور أوميكرون، آخر متحورات كوفيد- 19 ، الذي يتوقع أن يبطّئ النموّ، بحيث يرتفع بنسبة 2.4 و 3.2 في المائة في عامَي 2022 و 2023 على التوالي.
وتتفاوت درجة الانتعاش الاقتصادي عبر مجموعات البلدان في المنطقة. ولن تستطيع بعض البلدان العودة إلى مستويات الناتج المحلي الإجمالي التي كانت سائدة في فترة ما قبل الجائحة إلا بحلول عام 2023 . وبعد حزم الحوافز السخية من أجل احتواء تداعيات الجائحة، يُتوقّع أن يتقلّص الحيّز المالي للعديد من البلدان العربية في عام 2022 . كذلك يُتوقّع أن يعاني الميزان المالي في المنطقة العربية من عجز يبلغ حوالي 6 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. ويُتوقّع أيضاً أن تبلغ نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي حوالي 61 في المائة على أساس سعر تقديري للنفط يبلغ 60 دولاراً للبرميل.
ازدادت معدلات الفقر في جميع البلدان العربية في عام 2021 . واستناداً إلى خطوط الفقر الوطنية، تبلغ نسبة السكان الفقراء في هذه المنطقة 26.94 في المائة، التي يُتوقّع أن تنخفض قليلاً إلى 26.23 في المائة في عام 2023 .
وقد حقّقت المنطقة العربيّة تحسّناً طفيفاً نحو المساواة بين الجنسين في عام 2020 . ولكن بحسب الوتيرة الحالية، تحتاج المنطقة إلى 142 عاماً لبلوغ التكافؤ بين الجنسين.
وتشكو المنطقة من معدل متدنٍّ لمشاركة القوى العاملة، الذي ينجم بشكل رئيسي عن مشاركة المرأة المحدودة في سوق العمل. كذلك يمكن أن تحدث موجة هجرة أدمغة، إذ يفكّر 42 في المائة من الشباب في الهجرة إلى بلد آخر.
في عام 2021 ، بلغ المعدّل الإجمالي للبطالة في المنطقة العربية 11.8 في المائة، وهو الأعلى بين مناطق العالم. كذلك تسجّل المنطقة أعلى معدّل لبطالة الشباب – وأكثرهم من النساء – بين مناطق العالم. ورغم أنه يُتوقّع أن ينخفض معدل البطالة الإجمالي في المنطقة إلى 10.7 في المائة بحلول عام 2023 ، يُتوقّع أن يظل هذا المعدّل مرتفعاً في البلدان التي تواجه أزمات سياسية واقتصادية.
كذلك يواجه التعليم في عدد من البلدان العربية تحديات متعددة، مثل اللامساواة في الوصول إلى الموارد، وضعف البنية التحتية، وانتهاء صلاحية منهجيات التعلم. ويُقدّر أن واحداً من كل خمسة أطفال ومراهقين وشباب غير مسجّل في المدرسة. وقد فرضت الجائحة قيوداً إضافية على التعلم في البلدان التي اعتمدت التعليم عبر الإنترنت، وذلك رغم عدم كفاءة شبكة الاتصالات والإنترنت فيها.
وتعاني أنظمة الحماية الاجتماعية من عيوب كثيرة، ذلك أن تغطيتها وفعاليتها محدودتان، وتحديداً في البلدان التي تشكو من ضيق الحيز المالي والأزمات السياسية المستمرة. وتشير الإحصاءات إلى أنّ 35.1 في المائة فقط من الأفراد مشمولون بمزيّة حماية اجتماعية واحدة على الأقل، مقارنة بنسبة تبلغ 46.9 في المائة في المتوسط على مستوى العالم.
انخفض إجمالي إيرادات المنطقة العربية كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي خلال العقد ونصف العقد الماضيين، مدفوعاً بتداعيات الجائحة في عام 2020 .
وتتباين مصادر الإيرادات كثيراً فيما بين البلدان العربية، التي تعتمد بشكل أساسي على الضرائب غير المباشرة، بما يؤدي إلى إثقال كاهل الفقراء والطبقة الوسطى أكثر من الأغنياء. وتشمل النظم الضريبية السائدة الضريبة على دخل الفرد والضريبة على دخل الشركات والضرائب على السلع والخدمات بما فيها الضريبة على القيمة المضافة، وغيرها من الضرائب على المبيعات.
وقد أقرّت البلدان العربية المتوسطة الدخل، التي تعتمد بشكل أساسي على الضرائب كمصدر للإيرادات العامة، إصلاحات ضريبية على مدى العقد الماضي. ومع ذلك، فإن نسبة عائداتها الضريبية إلى الناتج المحلي الإجمالي لا تزال منخفضة، ما يسلط الضوء على أوجه القصور في أنظمتها الضريبية. وإن تحسين الكفاءة الضريبية، بما يضمن بلوغها متوسّط مستوى منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي، قد يؤدي إلى تعزيز الإيرادات بنسبة تصل إلى 45 في المائة، مقارنة بقيمة الضرائب التي تُجبى حالياً في بعض البلدان العربية.
وينبغي على البلدان العربية إعادة النظر في سياساتها الضريبية، نظراً لحجم التسرب في الإيرادات الضريبية والتجاوزات ذات الصلة، بما فيها التهرّب والتلاعب في الفواتير التجارية والتجنّب الضريبي.