أولا ، للغة العربية اختر Majed من القائمة المنسدلة ، وثانيا. ما عليك سوى تحديد أي نص على الصفحة ليقرأه جهاز الكمبيوتر لك.
يشكل زواج الأطفال انتهاكا لحقوق الإنسان وتحديا إنمائيا يعيق التقدم نحو تحقيق خطة التنمية المستدامة لعام 2030. ويأتي القضاء على هذه الممارسة في صميم الجهود المتضافرة التي تبذلها الإسكوا واليونيسف وصندوق الأمم المتحدة للسكان وهيئة الأمم المتحدة للمرأة، الذين يلتزمون معا بمعالجة هذه القضية. وقد قادوا سلسلة من الدراسات التي تدرس التداعيات الاقتصادية لزواج الأطفال في المنطقة العربية. وتسلط الدراسة الأولى، "تقدير تكلفة زواج الأطفال في المنطقة العربية: ورقة معلومات أساسية عن جدوى إجراء دراسة لتقدير التكاليف"، وتهدف الضوء على العواقب الوخيمة لهذه الممارسة. ويقدم التقرير نظرة ثاقبة حول مدى انتشار زواج الأطفال وأسبابه وآثاره في المنطقة، ويؤكد على أهمية تحديد تكاليفه الاقتصادية. تؤكد هذه الورقة على الحاجة الملحة للقضاء على زواج الأطفال لتعزيز المساواة بين الجنسين، وتمكين المرأة، وتحسين صحة الأم والطفل.
تتعمق الدراسة الثانية في السلسلة التي تحمل العنوان "تكلفة زواج الأطفال وأثره على دورة حياة الفتيات والنساء: أدلّة من الأردن وتونس والعراق ومصر" في تكاليف دورة الحياة المرتبطة بزواج الأطفال ، وتقييم آثاره عبر مراحل مختلفة من حياة المرأة. وتكشف الدراسة، التي تركز على مصر والعراق والأردن وتونس، عن الآثار البعيدة المدى والعميقة على صحة المرأة وتعليمها ووضعها الاقتصادي، مما يثري فهمنا للضغوطات طويلة الأجل الناجمة عن هذه الممارسة الضارة. لا يحدد هذا البحث تكاليف زواج الأطفال على التنمية البشرية فحسب، بل يوفر أيضا خارطة طريق لتقييمه الاقتصادي.
الدراسة الثالثة الصادرة، "تقدير التكاليف الاقتصادية لزواج الأطفال في المنطقة العربية"، تتوسع في النتائج السابقة من خلال إجراء تحليل ديموغرافي وصحي واقتصادي أكثر تفصيلا. يسلط هذا التقرير الشامل الضوء على التأثير الكبير لزواج الأطفال على اقتصاد المنطقة، ويقدر زيادة محتملة بنحو 3 في المائة سنويا في اقتصاد المنطقة العربية، تصل إلى حوالي 3 تريليونات دولار أمريكي بين عامي 2021 و 2050 إذا تم القضاء على زواج الأطفال. ومن ناحية أخرى، فإن الفشل في معالجة هذه المسألة من شأنه أن يؤدي إلى تحديات اقتصادية كبيرة.
تقدم هذه الدراسات مجتمعة سردا مقنعا حول الآثار الاقتصادية الواسعة والمتنوعة لزواج الأطفال في المنطقة العربية. وتسهم كل دراسة متتالية في فهم أعمق لهذه القضية الحاسمة، والدعوة إلى تدخلات سياسية شاملة وفعالة لمكافحة هذه المشكلة الاجتماعية الملحة. تؤكد هذه التقارير مجتمعة على ضرورة اتخاذ إجراءات شاملة، بما في ذلك تحسين تنظيم الأسرة والرعاية الصحية والتعليم وفرص سوق العمل للنساء، لمنع زواج الأطفال والتخفيف من آثاره الاقتصادية الضارة في المنطقة.
أدلّة من الأردن وتونس والعراق ومصر
ورقة معلومات أساسية عن جدوى إجراء دراسة لتقدير التكاليف
تم إعداد هذا التقرير المعني باحتساب التكاليف الاقتصادية لزواج الأطفال في الاقتصادات العربية بالتعاون بين لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا)، والمكتب الإقليمي للدول العربية التابع لصندوق الأمم المتحدة للسكان، والمكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا التابع لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة. عمل سرينيفاس غولي، الأستاذ المشارك في قسم الخصوبة والديمغرافيا الاجتماعية في المعهد الدولي للعلوم السكانية (IIPS) في مومباي، كمستشار رئيسي لهذا التقرير. وقدمت مجموعة من الباحثين الآخرين الدعم لسرينيفاس غولي، وشمل هؤلاء الباحثون هارشاند رام، وشوبرا كريتي، وشاليم بالا، وسوميا أرورا من المعهد الدولي للدراسات السكانية، بالإضافة إلى نيها جاين، الأستاذ المساعد في قسم الاقتصاد في المعهد الهندي للتجارة الخارجية (IIFT) في نيودلهي.
ويود الباحثون أن يعربوا عن امتنانهم العميق لروشيكا تشودري، الخبيرة الاقتصادية في مجال النوع الاجتماعي (مسؤولة الشؤون الاقتصادية) في مجموعة السكان والعدالة بين الجنسين والتنمية الشاملة في الإسكوا، لما قدمته من إشراف ودعم مستمر وملاحظات قيّمة طوال العملية برمتها، مما أدى إلى تعزيز البحث بشكل كبير. كما استفادت الدراسة من المساهمات القيّمة التي قدمتها ستيفاني شعبان، مسؤولة الشؤون الاجتماعية في المجموعة نفسها في الإسكوا. وقدمت ندى دروزة، رئيسة مركز المرأة في مجموعة السكان والعدالة بين الجنسين والتنمية الشاملة في الإسكوا، التوجيه تحت الإشراف العام لمهريناز العوضي، رئيسة مجموعة السكان والعدالة بين الجنسين والتنمية الشاملة في الإسكوا.
واستفاد التقرير كذلك من الأفكار القيّمة والتعليقات التي قدمها المراجعون الخارجيون من النظراء، بما في ذلك عائشة هتشينسون (كينغز كوليدج لندن)، وروبرت باين (مكتب اليونيسف الإقليمي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا)، وساجدة أمين (مجلس السكان، نيويورك)، وشذى النقيب (كلية بلومبرج للصحة العامة في جامعة جونز هوبكنز)، الذين أثرت وجهات نظرهم على الدراسة بشكل كبير.
من شأن القضاء على زواج الأطفال في المنطقة العربية التأثير تأثيراً إيجابياً كبيراً على النمو الاقتصادي. وتشير التقديرات إلى أن تحقيق ذلك يمكن أن يعزِّز اقتصاد المنطقة بنحو 3 في المائة سنويا، وهو ما سيترتب عليه إضافة مذهلة إلى الاقتصاد تعادل ثلاثة تريليونات دولار بين عامي 2021 و2050.
سيؤدي التقاعس في معالجة مسألة زواج الأطفال إلى أعباء اقتصادية كبيرة على المنطقة العربية، حتى مع إحراز تقدم في القياسات الأخرى في المجالات الاجتماعية والاقتصادية والديمغرافية والصحية. وإذا استمرت معدلات زواج الأطفال على حالها، فمن المتوقع أن تشهد الأردن وتونس والجزائر والسودان ودولة فلسطين أعلى خسائر تراكمية في الناتج المحلي الإجمالي بين عامي 2021 و2050.
ويتفاوت انتشار زواج الأطفال تفاوتاً كبيراً في جميع أنحاء المنطقة، حيث تتراوح المعدلات بين 1.5 في المائة في تونس و45.3 في المائة في الصومال. ويضاف إلى ذلك التفاوتات القائمة بين الأقاليم المختلفة داخل كل بلد بحد ذاته. وتُبرز هذه التفاوتات الحاجة الماسة إلى سياسات مصمَّمة خصيصاً وتدخلات محدَّدة الأهداف تعالج بفعالية العواقب الضارة لزواج الأطفال وتتصدى لها. علاوة على ذلك، ينبغي للبلدان العربية تعزيز سياساتها الاجتماعية والاقتصادية والسكانية والصحية للتخفيف من الآثار السلبية لزواج الأطفال على النساء.
يتطلب إنهاء زواج الأطفال كذلك معالجة المحدّدات الهيكلية الكامنة وراء عدم المساواة بين الجنسين، مثل مكافحة المعايير التمييزية، وتحسين القدرة على الوصول إلى التعليم الجيد، وتعزيز المشاركة الاقتصادية، وتوفير خدمات الرعاية الصحية، ودعم المبادرات الرامية إلى إنهاء العنف ضد النساء والفتيات. ومن شأن اتخاذ إجراءات سريعة لمعالجة هذه العوامل تحقيق فوائد اقتصادية كبيرة.
يمكن للبلدان العربية تجنب الخسائر الاقتصادية من خلال إعطاء الأولوية للقنوات الرئيسية ، ومن ضمنها ترويج تنظيم الأسرة وتوفير الرعاية الصحية للأمهات والأطفال للحد من ارتفاع معدلات الخصوبة ووفيات الأطفال، وضمان حصول الفتيات على التعليم قبل الزواج وبعده، وتوفير فرص في سوق العمل تتسم بالمرونة وتشجع المشاركة الفاعلة للمرأة في الأنشطة الاقتصادية.
لا يزال زواج الأطفال تقليداً متفشياً في شتى أنحاء العالم، حيث تم تزويج فتاة واحدة من كل خمس فتيات في عام 2022 قبل بلوغهن سن الثامنة عشرة. وثمة تفاوتات كبيرة عبر البلدان. وقد ثبت أن لزواج الأطفال عواقب مدى الحياة على الفتيات من حيث ضعف النتائج التعليمية والصحية والاقتصادية، مما يحرمهن من حقوقهن الأساسية ويبقي الجيل القادم في ظروف سيئة. وقد تسببت جائحة كوفيد-19 بتفاقم هذه المسألة التي باتت تتطلب تدخلاً فعالاً ومقصودا، لا سيّما في أفقر البلدان التي تسجّل أعلى معدلات لزواج الأطفال. وعلى الرغم من الاتجاه العام في زواج الأطفال يشهد انخفاضا، لا يزال المعدل الحالي لهذه الممارسة في المنطقة العربية ضخما، مع وجود تباين كبير بين البلدان. وفي حين تراجع انتشار زواج الأطفال في جميع أنحاء المنطقة العربية من معدل فتاة واحدة من كل ثلاث فتيات ليشمل فتاة واحدة من كل خمس فتيات، شهد العقد الأخير ركوداً في هذا التقدم. ويتزايد حجم الدراسات التي تُظهر على نحو متزايد الآثار السلبية لزواج الأطفال على مجموعة متنوعة من النتائج الإنمائية. ومع ذلك، لا تزال الجهود المتضافرة والموارد اللازمة لتحييد هذه الممارسة غير كافية في جميع أنحاء المنطقة العربية. ولتحفيز زيادة الجهود الرامية إلى القضاء على زواج الأطفال، تُبرز هذه الدراسة التكاليف الاقتصادية المترتبة على زواج الأطفال والآليات الرئيسية في هذا الصدد في عدد من البلدان العربية. ويقدم التقرير رؤىً متبصرة هامة حول العواقب الاقتصادية (أي تكلفة التقاعس عن القيام بالإجراءات اللازمة) إذا تم إهمال مسألة زواج الأطفال في البلدان العربية. وهو يشكل مادة قيمة لجهود الدعوة، حيث يهدف إلى لفت انتباه الحكومات إلى هذه المشكلة الملحّة.
هذه التكاليف الاقتصادية تنتقل من خلال الآثار الديمغرافية والاجتماعية والصحية الناتجة عن زواج الأطفال. وتشمل الآثار الديمغرافية حالات الحمل غير المرغوب فيه والإجهاض غير الآمن التي تُغيِّر من شكل النمو السكاني في المستقبل، ومعدلات بقاء الأم والطفل على قيد الحياة، والإنجاب. وتشمل الآثار الاجتماعية خسارة الفتيات اللاتي يتم تزويجهن في سن الطفولة لفرص التحصيل العلمي، مما يضر في نهاية المطاف بممارستهن لحقوقهن الأساسية، وقدرتهن على اتخاذ القرار، وفرص الحصول على دخل، والدعم المجتمعي وتمكينهن بشكل عام. أما الآثار الصحية فتشمل حالات الحمل والولادة لدى المراهقات، وارتفاع معدلات الخصوبة ووفيات وأمراض الأمومة بين النساء اللاتي يتزوجن في سن مبكرة. وهذه الآثار التي تتحملها الفتيات اللاتي يتزوجن في سن الطفولة قد تكون مباشرة أو غير مباشرة، وقد تكون كذلك نقدية أو غير نقدية، ويتحمل تبعاتها الأفراد والأسر المعيشية، كما أنها تتراكم على مستوى الدولة.
ودرس تقرير المرحلة الأولى، بعنوان « تكلفة زواج الأطفال وأثره على دورة حياة الفتيات والنساء: أدلّة من الأردن وتونس والعراق ومصر» الذي أعدته الإسكوا، وصندوق الأمم المتحدة للسكان، ومكتب اليونيسف الإقليمي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وهيئة الأمم المتحدة للمرأة عام 2023، تكاليف زواج الأطفال التي تتحملها النساء والفتيات في المنطقة العربية. وترتكز المرحلة الثانية من هذه الدراسة على التقرير السابق، وتوسع نطاق النتائج ليشمل قياس «التكاليف الاقتصادية لزواج الأطفال» في 13 دولة عربية من أصل 22 دولة تتوفر عنها البيانات ذات الصلة. وتهدف الدراسة إلى الإبلاغ عن التكاليف الاقتصادية لزواج الأطفال من حيث النسبة المئوية للخسارة في الناتج المحلي الإجمالي في البلدان العربية. كما تتناول من الناحية النظرية الطُرق المتعدِّدة التي يؤثر بها زواج الأطفال على النساء والفتيات على المستوى الفردي مع انعكاسات ذلك على أسرهن وبالتالي على الدولة.
ويستند هذا التقرير إلى أعمال سابقة، متبِعاً نَهجاً أكثر متانة، ويلجأ إلى مجموعة واسعة من المؤشرات الديمغرافية والصحية والتعليمية ومؤشرات المدخلات الاقتصادية في عملية تقدير التكاليف، باستخدام منظور دورة الحياة لتوقع التكلفة الاقتصادية لزواج الأطفال في المنطقة العربية، وينطلق من سنة 2001 كسنة الأساس وصولاً إلى عام 2050. وهو يغطي كامل الفترة الزمنية الإنتاجية لفتاة تزوجت في سن الخامسة عشرة حوالي عام 2000. وقد جمعت البيانات المتعلقة بمؤشرات المدخلات من مصادر متعدِّدة، ولا سيّما الدراسات الاستقصائية الممثِلة للأسر المعيشية على الصعيد الوطني، بما في ذلك الدراسة الاستقصائية الديمغرافية والصحية، والدراسة الاستقصائية العنقودية متعدِّدة المؤشرات، والدراسة الاستقصائية للقوى العاملة.
وتشير مجمل النتائج إلى أن النسبة المئوية للخسائر التي تعرَّض لها الناتج المحلي الإجمالي بسبب زواج الأطفال في 13 دولة عربية في عام 2021 بلغت 3.2 في المائة، ومن المتوقع أن تبلغ 3 في المائة في عام 2050. ومن المتوقع أن تبلغ الخسارة التراكمية للناتج المحلي الإجمالي حوالي 3 تريليونات دولار بين عامي 2021 و2050. وعلى الصعيد الإقليمي، سجلت تونس والجزائر والسودان ودولة فلسطين في عام 2021 خسائر ناهزت 4 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي بسبب زواج الأطفال، في حين سجلت الجمهورية العربية السورية وقطر أدنى نسبة خسارة في الناتج المحلي الإجمالي، بلغت أقل من 1 في المائة. وبين عامي 2021 و2050، تشير التقديرات إلى أن الأردن وتونس والجزائر والسودان ودولة فلسطين ستسجل أكبر الخسائر في الناتج المحلي الإجمالي التراكمي بسبب زواج الأطفال إذا ظلت معدلات زواج الأطفال على حالها.
من المهم الإشارة إلى أن التكلفة الاقتصادية لزواج الأطفال لا تعتمد فقط على معدلات زواج الأطفال ولكن أيضاً على الاختلافات في النتائج الديمغرافية والاجتماعية والاقتصادية بين الفتيات اللاتي تزوجن قبل بلوغهن سن 18 عاماً والفتيات اللاتي تزوجن في سن 18 عاماً وما فوق. لذلك، ستتكبد الأردن وتونس والجزائر تكاليف اقتصادية أكبر تُعزى إلى زواج الأطفال نظراً إلى ما لديها من تفاوتات أكبر على صعيد الخصوبة والتعليم بين الإناث المتزوجات دون سن 18 عاماً مقارنة بالمتزوجات في سن 18 عاماً وما فوق. ومن ناحية أخرى، في بلدان مثل العراق وموريتانيا على سبيل المثال، ترتفع معدلات انتشار زواج الأطفال، ولكن الاختلافات النسبية في معدلات الخصوبة والمستويات التعليمية في صفوف الأزواج الذين تقل أعمارهم عن 18 عاماً والأزواج بعمر 18 عاماً فما فوق ليست مرتفعة مقارنة بالأردن وتونس والجزائر، مما يحد من التكاليف الاقتصادية التي يتسبب بها زواج الأطفال.
وترتفع تقديراتنا (3.2 في المائة في عام 2021 للمنطقة العربية) مقارنة بالدراسات السابقة التي تغطي البلدان الناشئة والنامية (1 في المائة) وجنوب آسيا والشرق الأوسط وأفريقيا (1.4 في المائة). ويمكن أن يُعزى هذا التناقض إلى سببين، (1) الأول هو اختلاف التغطية الجغرافية في الدراسات الثلاث جميعها؛ أو (2) السبب الثاني وهو الفرق في إجراءات التقدير وعدد مؤشرات المدخلات التي يتم النظر فيها لكل نموذج. أما الدراسة الحالية فأكثر شمولاً من حيث المؤشرات المدخلة للنموذج. غير أن تقديرات إجمالي الناتج المحلي في 13 دولة عربية من هذه الدراسة تتوافق مع تقديرات البنك الدولي للبلدان المعنيّة.
وفي ما يتعلق بالآثار المترتبة على السياسات، تُسلِّط هذه الدراسة الضوء على حقيقة أن نطاق انتشار زواج الأطفال يسهم إسهاماً كبيراً في فشل الدول في تحقيق إمكاناتها الاقتصادية. وتنبع التفاوتات في التكلفة الاقتصادية لزواج الأطفال داخل المنطقة العربية، والتي تقاس بالخسارة في الناتج المحلي الإجمالي، من عاملين رئيسيين، هما انتشار زواج الأطفال، وفعالية أنظمة الرعاية الصحية والاجتماعية والاقتصادية في هذه البلدان. ومما لا غنى عنه أن تتخذ البلدان العربية إجراءات لمنع زواج الأطفال والتخفيف من الآثار الديمغرافية والصحية والاقتصادية المرتبطة به. ويمكن للبلدان تجنب الخسائر الاقتصادية من خلال معالجة القنوات الرئيسية التي تنتقل عبرها، ومن ضمنها ترويج تنظيم الأسرة وتوفير الرعاية الصحية للأمهات والأطفال للحد من ارتفاع معدلات الخصوبة ووفيات الأطفال، وضمان حصول الفتيات على التعليم قبل الزواج وبعده، وتوفير فرص في سوق العمل تتسم بالمرونة وتشجع المشاركة الفاعلة للمرأة في الأنشطة الاقتصادية.
تميل المؤلفات العالمية حول زواج الأطفال إلى التركيز بشكل كبير على الآثار الاجتماعية والديمغرافية والصحية لهذه القضية. وعلى وجه الخصوص، أشارت معظم هذه الدراسات إلى وجود تباينات في نتائج الصحة والتعليم والعمالة ما بين الفتيات المتزوجات قبل سن الثامنة عشرة وبعد بلوغ ذلك السن. وقد وثقت بعض الدراسات التكلفة الاقتصادية لزواج الأطفال، ولا سيّما التكاليف التي يتكبدها الاقتصاد الكلي (مثل النسبة المئوية للخسارة في الناتج المحلي الإجمالي بسبب زواج الأطفال). وتفتقد المنطقة العربية أكثر من غيرها من باقي مناطق العالم إلى المؤلفات في هذا الموضوع، ولهذا السبب لجأنا في عملنا إلى الدراسات العالمية والعربية لبناء الأُطُر المفاهيمية والتحليلية للدراسة الحالية. وقد استعرضنا المؤلفات من خلال توزيعها على ثلاثة أقسام، وهي (1) الدوافع وراء زواج الأطفال؛ و(2) التكلفة الاقتصادية؛ و(3) زواج الأطفال في سياق المنطقة العربية.
الدوافع: تسلِّط المراجع الخاصة بزواج الأطفال الضوء باستمرار على عدد من العوامل الهيكلية التي تتسبب بزواج الأطفال وتزيد من حدته، بدءاً من العوامل الاقتصادية مثل الفقر وفرص العمل المحدودة؛ والعوامل الاجتماعية والثقافية مثل التعليم والممارسات الاجتماعية والمعتقدات الدينية والعرق والطبقة الاجتماعية والمعايير الجنسانية؛ والعوامل السياسية مثل عدم الاستقرار، بما في ذلك النزاع والنزوح والكوارث الطبيعية. كل هذه العوامل تعرِّض إرادة الفتاة واستقلاليتها للخطر، وتضعها في حلقة الزواج المبكر والعواقب التي يفضي إليها. وغالباً ما تشهد البلدان والمناطق والأسر الأكثر فقراً أكبر نسبة انتشار لزواج الأطفال، وحيث الفتيات الفقيرات المقيمات في المناطق الريفية هن الأكثر عُرضة لتزويجهن مبكراً. ويضاف إلى ذلك أن عدم توفر فرص العمل للفتيات بسبب الأعراف والممارسات الاجتماعية قد يعني أن الأهل لا يرون ضرورة في الاستثمار في تعليمهن.
وفي أغلب الأحيان، كما تشير الأدلّة المتنامية، من شأن مستوى التعليم تحديد سن الفتاة عند الزواج؛ وبالتالي، يرتبط انخفاض التحصيل العلمي بانخفاض سن الزواج. وعلاوة على ذلك، ثبت أن زواج الأطفال متجذر بعمق في الممارسات والتقاليد الاجتماعية. تسود في السياقات المختلفة ظروف مختلفة خاصة بكل سياق تتسبب بزواج الأطفال، وبالذات ممارسة دفع المهر أو الممارسات المتعلقة بثروة العروس، والتي يمكن أن تولِّد مكاسب اقتصادية فورية للأسرة؛ وضغط المجتمع للامتثال للمعايير المجتمعية؛ واستخدام زواج الفتيات لتسوية النزاعات الأسرية؛ والخوف من التحرُّش الجنسي أو العنف الجنسي؛ والرغبة في التحكم في الحياة الجنسية للفتيات لتجنب الحمل غير المرغوب فيه أو تعريض شرف الأسرة للخطر؛ والأعراف الاجتماعية التي تقبل بها الفتيات ضمنياً بحيث ترغب الفتيات أنفسهن في الزواج المبكر بسبب ما تتصوره من نقاط ضعف وتعرُّض للخطر ونقص البدائل.
تؤثر النزاعات والحروب على النساء والفتيات بشكل فريد يعود إلى انعدام المساواة بين الجنسين، وإن كانت التأثيرات متفاوتة بناءً على الموقع والدخل والسياق الاجتماعي والبيئة الثقافية. ويولِّد عدم الاستقرار الناجم عن النزاع الخوف من التعرُّض للإصابة والموت، ويتسبب بتصاعد حوادث العنف الجنسي، ويؤدي إلى انعدام الأمن الغذائي، ويعمِّق القوالب النمطية الجنسانية. ويؤدي عدم الاستقرار هذا إلى انخفاض متوسط عمر الإناث وقت الزواج، وارتفاع معدلات زواج الأطفال، وانخفاض معدلات الإلمام بالقراءة والكتابة بين الإناث. وبالنسبة للأسر في مناطق النزاع، يمثّل زواج الأطفال آلية تكيُّف سلبية يُنظر إليها أنها «تنقذ» الفتاة من الاستغلال المتصوَّر وتتيح في ذات الوقت الحفاظ على الموارد المحدودة من خلال نقل المسؤولية عن هذه الفتاة إلى أسرة أخرى. وبالتالي، يمكن تفسير زواج الأطفال على أنه تبادل اجتماعي للفتيات من قِبل الأسرة لزيادة موارد الأسرة وشبكات الأمان إلى أقصى حد.
التكلفة الاقتصادية لزواج الأطفال: يشكّل العمر عند الزواج عاملاً مهماً في تحديد الديناميات السكانية، نظراً إلى أنه يضع الأساس لما سيتبع من عوامل تحدِّد نوعية حياة الفتاة. وفي حين يتم تناول زواج الأطفال على نطاق واسع باعتباره قضية من قضايا حقوق الإنسان وحقوق المرأة، سلّطت الدراسات مؤخراً الضوء على التكاليف الاقتصادية لزواج الأطفال وحدَّدتها كميّاً (الجدول 1).
التكلفة الاقتصادية للعنف ضد النساء والفتيات (وهو في هذه الحالة زواج الأطفال) التي يحدِّدها تقرير هيئة الأمم المتحدة للمرأة بشأن تكلفة العنف، هي التكلفة الملموسة المباشرة وغير المباشرة ذات القيمة النقدية. ويمكن أن تكون هذه التكاليف الخاصة التي تعاني منها الفتيات الصغيرات والأجيال القادمة من الفتيات، أو التكاليف العامة مثل زيادة العبء على أنظمة الرعاية الصحية والتعليم الحكومية. وللتكاليف الإجمالية غالباً أثر مضاعف على الناتج المحلي الإجمالي والتنمية الاقتصادية، وهو ما يتسبب بانتقال الفقر وعدم المساواة من جيل إلى جيل مكوناً دورة متكاملة.
ويقلل زواج الأطفال بشكل مباشر من فرص عمل المرأة وما يمكن أن تحققه من عوائد مالية بسبب انخفاض مستويات التعليم. وفي الوقت نفسه، فإنه يزيد بشكل غير مباشر من نسبة عملهن المنزلي غير المدفوع الأجر الناتج عن ارتفاع الخصوبة مدى الحياة. تأكيداً على ذلك، وجد تقرير Savadogo and Wodon (2017a) أن زواج الأطفال يقلل من الدخل في مرحلة البلوغ للنساء اللواتي يتزوجن مبكراً بنسبة 9 في المائة من خلال أثره على التعليم. ولوحظ في بعض البلدان أنه يؤثر على القدرة على اتخاذ القرارات والقدرة التفاوضية. وبالتالي، تؤثر التكاليف الاقتصادية بصورة وثيقة على الناتج المحلي الإجمالي للدولة من خلال انخفاض معدل عمالة النساء اللاتي يتم تزويجهن في مرحلة الطفولة، وانخفاض معدل أجور الوظائف التي يعملن بها والتي لا تتطلب أي مهارات، وانخفاض دخلهن ومدخراتهن، وهو ما يترتب عليه انخفاض تحصيل الدولة للضرائب.
زواج الأطفال في البلدان العربية: مثلها مثل العديد من المناطق الأخرى في العالم، تسود في المنطقة العربية الأعراف الأبوية، حيث يتوقع من النساء إعطاء الأولوية لأسرهن قبل إعمال حقوقهن كأفراد. ويشمل ذلك إضفاء الطابع المؤسسي على السياسات التي تعمل على الحفاظ على الوضع الأبوي الراهن الذي يحكم في نهاية المطاف عملية صُنع القرار الاقتصادي والسياسي والاجتماعي.
وكان من شأن النزاعات على مدى العقد الماضي التسبب بالعديد من حالات زواج الأطفال في المنطقة، مع لجوء اللاجئين والأسر النازحة إلى هذه الممارسة لحماية الفتيات من العنف الجنسي وبالتالي الحفاظ على شرف الأسرة. وفي بعض الحالات، ثمة علاقة ما بين زواج الأطفال وحالات الاختطاف والاتجار من جانب الجماعات المسلحة والميليشيات. وقد سجلت الجمهورية العربية السورية والعراق حالات اختطاف فتيات من هذا القبيل. وفي الأردن، ازدادت حالات زواج الأطفال منذ بداية النزاع في الجمهورية العربية السورية في عام 2011، لا سيّما في صفوف اللاجئين السوريين. على سبيل المثال، ارتفع معدل زواج الأطفال بين الفتيات السوريات في الأردن من نسبة 33.1 في المائة في عام 2010 إلى 43.8 في المائة في عام 2015، مما أثر على صحتهن الجنسية والإنجابية من حيث الحمل المبكر، والعنف الأسري، والإقصاء الاجتماعي، ومشاكل الصحة العقلية، وفقدان فرص العمل.
ثمة أدلة قوية على العلاقة بين زواج الأطفال من جهة والمعتقدات الثقافية المتجذرة والأعراف التي تميِّز بين الجنسين من جهة أخرى في المنطقة العربية. ففي مصر، على سبيل المثال، يرتبط زواج الأطفال بالمفاهيم المجتمعية المتعلقة بتشويه الأعضاء التناسلية للإناث، بينما في الجمهورية العربية السورية، تقتنع الفتيات الصغيرات بالزواج في سن مبكرة بسبب الافتقاد إلى المعرفة الجنسية. والفقر عامل آخر يؤدي إلى زواج الأطفال في بلدان مثل الجمهورية العربية السورية والسودان والصومال وليبيا ومصر واليمن. ويلاحظ هذا الاتجاه أيضاً في الأردن والعراق والمغرب، حيث كان احتمال زواج الفتيات في سن مبكرة في الأسر ذات الدخل المنخفض، حيث ينظر إلى الفتاة على أنها عبء مالي، أكثر بمقدار الضعف مقارنة بالأسر الأكثر ثراءً في الفترة
2006-2011. وتبرز دراسة عن اللاجئين السوريين في مصر أن الفتيات ذوات الأداء الضعيف في المدرسة من المفضّل تزويجهن، وأن الفتيات المهتمات في الدراسة يبقين في المدرسة لمواصلة دراستهن وبالتالي يتم تأجيل زواجهن. ومن بين العوامل الأخرى تدهور الاقتصاد وتزايد معدلات التضخم التي تؤثر سلباً على بقاء الأسر ذات الدخل المنخفض في هذه المناطق، ولا سيّما الأسر التي تضم الفتيات.
وبحثت المرحلة الأولى من الدراسات التي أجرتها الإسكوا وشركاؤها تكاليف زواج الأطفال على النساء والفتيات في أربعة بلدان عربية، وهي الدراسات الشاملة الوحيدة التي سلّطت الضوء على التكاليف الاجتماعية والصحية لزواج الأطفال في مراحل مختلفة من حياة المرأة. حيث أبرزت معاناة النساء والفتيات المتزوجات في سن مبكرة في الأردن وتونس والعراق ومصر من تداعيات خطيرة في كل مرحلة من مراحل الحياة من ناحية الخصوبة، والقدرة على اتخاذ القرارات، والتعليم، والاستقلال الذاتي، والمشاركة في القوى العاملة، ومعدلات وفيات أطفالهن. وبالتالي، ترتكز المرحلة الثانية على هذه النتائج للتركيز على خسائر الدخل (أو الناتج المحلي الإجمالي) في المنطقة العربية.
في المنطقة العربية، تركّزت البحوث بشكل أساسي على دراسة مدى انتشار زواج الأطفال، وتحديد العوامل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي تؤدي إلى هذه الممارسة، والتحقيق في آثارها الضارة على الفتيات والنساء. وفي حين أثبت تقرير المرحلة الأولى وجود صلة بين زواج الأطفال ومختلف النتائج المتعلقة بالخصائص الديمغرافية والصحة والتعليم وسوق العمل، فإنه لم يحدِّد حجم الخسائر الاقتصادية الناجمة عن هذه الممارسة بالنسبة للدولة. ويشترط التوصل إلى فهم أفضل للتكاليف الاقتصادية الفعلية قصيرة وطويلة الأجل التي ستتحملها النساء وأسرهن والحكومة تقييم تأثير زواج الأطفال على الناتج المحلي الإجمالي لجميع البلدان العربية.
ولهذا، يتمثل الهدف من هذه الدراسة في إجراء تحليل للتكلفة يقيس أثر زواج الأطفال على الناتج المحلي الإجمالي للبلدان، بهدف تعزيز الدعوة إلى القضاء على هذه الممارسة في المنطقة. تقدم الدراسة توصيات للتخفيف من العبء الاقتصادي لزواج الأطفال من خلال اتخاذ خطوات استباقية تعالج القنوات الوسيطة التي تساهم في الآثار الاقتصادية.
وتستخدم هذه الدراسة نموذج المحاكاة الطيفية وتتضمن مجموعة واسعة من مؤشرات المدخلات لتقديم تحليل مفصل للتكاليف الديمغرافية والاجتماعية والتكاليف على مستوى الاقتصاد الكلي المرتبطة بزواج الأطفال. وعلى عكس دراسة Mitra and others (2020)، لا تعتمد الدراسة الحالية على نَهج نموذج الانحدار الكلي فحسب، بل يعمل نّهج محاكاة التسلسل الهرمي والمكونات الخاص بها على تمكين إدراج المزيد من بارامترات المدخلات وتقدير عدد أكبر من مؤشرات النتائج. وعلاوة على ذلك، فإن النموذج المستخدَم في الدراسة لا يتوقع فقط تكلفة إهمال التصدي لمسألة زواج الأطفال كنسبة مئوية من خسارة الناتج المحلي الإجمالي، بل يشمل أيضاً مؤشرات ديمغرافية وصحية رئيسية أخرى حتى عام 2050، تغطي كامل الفترة العمرية الإنتاجية لفتاة تزوجت في سن 15 عاماً حوالي عام 2000.
يترتب على زواج الأطفال تكاليف اقتصادية تطرأ من خلال قنوات متعدِّدة، كما يتبيَّن في الشكل 1. فهذه الممارسة لها آثار ديمغرافية مثل ارتفاع مستويات الخصوبة والولادة المبكرة والنمو السكاني، والتي تؤثر بشكل مباشر على النتائج الاقتصادية. كما يعطِّل زواج الأطفال التحصيل العلمي، مما يؤدي إلى محدودية القدرة على اتخاذ القرارات، لا سيّما في ما يتعلق بالخيارات الإنجابية، وحالات العنف ضد المرأة، وانخفاض المشاركة في القوى العاملة مما يؤدي إلى تردي الحالة الصحية وانخفاض الدخل. وتؤدي الظروف الصحية السيئة وارتفاع مخاطر العجز والوفاة إلى تفاقم الأوضاع المالية المتردية للأسر المعيشية. كما أن تأثيرات زواج الأطفال تمتد لتشمل عدة أجيال، لأن هذه الممارسة تعيق تطوير رأس المال البشري في الأجيال القادمة. ويؤدي ضعف إيرادات الأجور ومدخرات الأسر المعيشية إلى انخفاض العوائد الضريبية للدولة، في حين تتسبب الظروف الصحية السيئة في زيادة إنفاق الدولة على الرعاية الصحية. وبالتالي، يتأثر اقتصاد الدولة على مستويي الادخار والإنفاق.
تفتقر المنطقة العربية نسبياً إلى توافر البيانات الموثوقة والمتسقة اللازمة لقياس ورصد زواج الأطفال وأسبابه وعواقبه. إذ يؤدي تكرُّر الصراعات وما تعاني منه المنطقة من قضايا جيوسياسية إلى تردي وضع المسوح الدورية العالمية التي لا يمكن من غيرها إجراء مقارنات بين البلدان. ومن أصل 22 بلداً التي تشكل المنطقة العربية، كان لدى 13 بلداً فقط بيانات ذات صلة تتعلق بالفترة الزمنية قيد الدراسة (2001-2020). وتم جمع البيانات الخاصة بمؤشرات المدخلات وتجميعها من مصادر متعدِّدة للفترة 2001-2020 لغايات عملية تقدير تكاليف زواج الأطفال في هذه المنطقة. وتشمل مصادر البيانات المستخدَمة في التحليل ما يلي: (أ) الدراسات الاستقصائية الديمغرافية والصحية؛ (ب) والمسوح العنقودية متعدِّدة المؤشرات؛ (ج) ومسوح القوى العاملة؛ (د) والتوقعات السكانية العالمية الصادرة عن الأمم المتحدة؛ (هـ) ومؤشرات التنمية العالمية؛ (و) ونموذج جدول الحياة الصادر عن الأمم المتحدة (نموذج غرب آسيا)؛ (ز) والتعدادات السكانية الخاصة بكل بلد من البلدان العربية؛ (ح) والإحصاءات الرسمية للدول العربية المعنيّة. اعتمدت هذه الدراسة طُرق الاستيفاء interpolation والاستقراء extrapolation لسد فجوات البيانات بين السنوات.
على الصعيد العالمي، تُعَدُّ الدراسة الاستقصائية الديمغرافية والصحية أكبر مصدر للبيانات المتعلقة بالسكان والصحة وفيروس نقص المناعة البشرية والتغذية، وهي قابلة للمقارنة دولياً وأُجريت في حوالي 90 بلدا. وقد تمت تغطية بعض البلدان العربية في إطار الدراسة الاستقصائية، مثل الأردن (2017/2018) وتونس (1988)، والسودان (1989/1990)، ومصر (عام 2014، والدراسة الاستقصائية الديمغرافية والصحية الخاصة في عام 2015)، والمغرب (2003/2004)، وموريتانيا (2019-2021)، واليمن (2013). أما المسح العنقودي متعدِّد المؤشرات فهو أكبر مصدر للبيانات الموثوقة القابلة للمقارنة دولياً عن النساء والأطفال على الصعيد العالمي، وقد أُجري مرة واحدة أو أكثر في 118 بلدا. وأحدث الدراسات الاستقصائية المتعدِّدة المؤشرات في المنطقة العربية تمت في: تونس (2018)، والجزائر (2018/2019)، والجمهورية العربية السورية (2006)، والسودان (2014)، والصومال (2011)، والعراق (2018)، وعُمان (تقتصر على عام 2014)، ومصر (2013/2014)، وموريتانيا (2015)، ودولة فلسطين (2018/2019)، وقطر (2012)، واليمن (2006). وعلى الرغم من أن المشروع العربي لصحة الأسرة متاح في ليبيا، استبعدت الدراسة ليبيا بسبب انعدام إمكانية مقارنة المعلومات في هذا المشروع مع بيانات وزارة الأمن الوطني والدراسات الاستقصائية الديمغرافية والصحية والمسح العنقودي متعدِّد المؤشرات، كما استبعدت عُمان بسبب عدم القدرة على الوصول إلى البيانات الجزئية. وتغطي الدراسة بالمجمل 13 دولة عربية لديها بيانات جزئية من أحدث الدراسات الاستقصائية الديمغرافية والصحية أو المسوح العنقودية متعدِّدة المؤشرات المتاحة.
وبالإضافة إلى ذلك، جمعنا معلومات عن العمالة والبطالة من مؤشرات التنمية العالمية والدراسات الاستقصائية للقوى العاملة والإحصاءات الرسمية للبلدان المعنيّة. وجُمعت البيانات السكانية الإجمالية والمتوقعة من تعدادات البلدان والتوقعات السكانية العالمية للأمم المتحدة، على التوالي. واستخدمت الدراسة أنسب نموذج لجدول الحياة من مجموعتين من نماذج جداول الحياة الموحّدة لاستنباط مجموعة متنوعة من مؤشرات الوفيات وأنماط الوفيات الأساسية لتقدير وتوقع السكان في كل بلد. وتم جمع البيانات المتعلقة بالناتج المحلي الإجمالي لسنة الأساس بدولارات الولايات المتحدة وتم جمع معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي السنوي (بالنسبة المئوية) والتوسع الحضري (بالنسبة المئوية) من مؤشرات التنمية العالمية. وبالإضافة إلى ذلك، جُمعت المؤشرات المتصلة بالتعليم والصحة من مصادر بيانات متعدِّدة شملت الدراسات الاستقصائية الديمغرافية والصحية، والمسوح العنقودية متعدِّدة المؤشرات، والتعدادات، والإحصاءات الرسمية للبلدان (جدول المرفق 1).
إن الصلة بين زواج الأطفال والنمو الاقتصادي ليست واضحة لأنها ترتبط ارتباطاً مباشراً ببعض محدّدات النمو الاقتصادي «التقليدية» مثل الخصوبة والتعليم والصحة والعمالة وغيرها. وحدَّد تقرير (Wodon and others 2017) خمس قنوات رئيسية، وهي الصحة والتعليم والخصوبة والمشاركة في القوى العاملة وصُنع القرار، يؤثر من خلالها زواج الأطفال على النمو الاقتصادي. وفي نموذجهم التحليلي، دمج ودودن Wodon وزملاؤه هذه القنوات في رأس المال البشري (أي التعليم والصحة)، نظراً للتداخل الكبير ما بين هذه القنوات. في وقت لاحق، أشارت الدراسة التي أجراها (Mitra and others 2020) أيضاً بالترابط بين الصحة والتعليم والنمو الاقتصادي وغيرها من العوامل الوسيطة المستخدَمة في إطار عملية تقدير التكلفة المترتبة على زواج الأطفال.
ومواصلةً لهذين التقريرين، استخدمت الدراسة الحالية أربع مجموعات من البارمترات (وهي الديمغرافية والصحية والتعليمية والاقتصادية) في عملية تقدير تكلفة زواج الأطفال من منظور دورة الحياة. ولزواج الأطفال انعكاسات على النتائج مدى الحياة، لأنه يؤثر على تكوين المهارات والصحة والعواقب الاقتصادية في جميع مراحل الحياة. وفي هذه الدراسة، تشير عبارة «دورة الحياة» إلى أن التقديرات هي التكاليف الاقتصادية التراكمية لزواج الأطفال المرتبطة بخسائر التعليم والصحة وسوق العمل، والتي تؤثر في مراحل مختلفة من حياة الفرد (الإطار أدناه). وعلاوة على ذلك، فإن العديد من العوامل الوسيطة الأخرى، مثل قدرة المرأة على اتخاذ القرارات والعنف ضد المرأة القائم على نوع الجنس، والتي تؤثر على النتائج الاقتصادية لم تُدرج كمتغيرات منفصلة لأنه تربطها إلى حد كبير علاقة خطية متداخلة مع المعايير الديمغرافية والصحية والتعليمية والمتعلقة بالعمالة. ومع ذلك، وفي إطار أربع مجموعات واسعة من البارامترات (الديمغرافية والصحية والتعليمية والاقتصادية)، يشمل النموذج المستخدَم في هذه الدراسة عوامل طارئة أخرى مثل الهيكل العمري للسكان ومسبباته، والوضع الاقتصادي والعوامل التي تنذر بها، ومدى التوسع الحضري في بلد إقامة المرأة. يشرح الشكل 2 الإطار التشغيلي (أو التحليلي) الكامل لنموذج المحاكاة والبارامترات المستخدَمة لتقدير التكاليف الاقتصادية المترتبة على زواج الأطفال في المنطقة العربية.
وبينما تتبع الدراسة الحالية نَهج المحاكاة الذي استُخدم في دراسة (Wodon and others 2017)، فإن إطارها التحليلي لتقدير التكاليف الاقتصادية لزواج الأطفال يختلف قليلاً ويلتزم بعملية أكثر شمولا. وقد وسعنا مدى الإسقاطات المتعلقة بالتكاليف الاقتصادية لزواج الأطفال في المنطقة العربية حتى عام 2050 مع الانطلاق من سنة 2001 كسنة الأساس. وتم اختيار الفترة من 2001 إلى 2050 نظراً إلى أن العمر التشغيلي للأنثى المتزوجة في سن 15 عاماً يبلغ حوالي 50 عاماً. على سبيل المثال، في هذا النموذج، من المتوقع أن تعيش الأنثى التي تزوجت في عام 2001 في سن 15 (سنة الأساس لهذه الدراسة) حتى 65 عاماً (حتى عام 2050، وهي سنة هدف لهذه الدراسة) إن كانت تعمل أو لا تعمل. غير أن مؤشرات المدخلات ليست متوفرة لجميع البلدان اعتباراً من عام 2001. وفي مثل هذه الحالات، تم اختيار سنة الأساس وفقاً لتوافر البيانات.
استخدمت الدراسة ثلاث وحدات رئيسية لنَهج المحاكاة الطيفية، وهي DemProj وFamPlan وRAPID (الشكل 2). DemProj هي اختصار لتعبير demographic projection وهي وحدة الإسقاط الديمغرافي في نموذج محاكاة الطيف. وهذه الوحدة توفر لوحدة المحاكاة بارامترات قاعدة السكان بحسب العمر والجنس وإسقاطاتها. تعتمد عملية إعداد الإسقاطات على مجموعة من الافتراضات حول الخصوبة والوفاة والهجرة للسنين ما بعد سنة الهدف.
ترمز وحدة FamPlan إلى الإسقاط المتعلق ببارامترات تنظيم الأسرة. ومدخلات تنظيم الأسرة ضرورية لبلوغ الأهداف الوطنية المتعلقة بتلبية الاحتياجات غير الملباة أو تحقيق المستوى المرغوب من الخصوبة. وبالنسبة لهذه الدراسة، توفر وحدة تنظيم الأسرة بارامترات ضرورية يمكن أن تتنبأ بالاختلافات المحتملة في مؤشرات تنظيم الأسرة وعواقبها على خصوبة النساء المتزوجات في سن الطفولة والنساء المتزوجات في غير سن الطفولة.
وحدة RAPID أي Resources for the Awareness of Population Impacts on Development (الموارد للتوعية بالآثار السكانية على التنمية) تُعدّ الاسقاطات المتعلقة بالعواقب الاجتماعية والاقتصادية لارتفاع الخصوبة والنمو السكاني السريع على قطاعات مثل العمل والتعليم والصحة والتوسع الحضري والزراعة. وبالنسبة لنموذج المحاكاة، توفر وحدة RAPID الاحتمال التفاضلي للإنجازات الاجتماعية والاقتصادية لمؤشرات المدخلات والنتائج للنساء المتزوجات في سن الطفولة والمتزوجات في غير سن الطفولة. ويرد في الجدول 2 في المرفق شرح مفصل لهذه الوحدات.
كما تختلف الدراسة من حيث مقاييس نتائجها. حيث نعرض التكاليف الديمغرافية والصحية على المستوى الكلي إلى جانب التكاليف الاقتصادية (الخسارة في الناتج المحلي الإجمالي) لثلاثة سيناريوهات مختلفة. وتشمل هذه السيناريوهات الثلاثة: (أ) سيناريو زواج الأطفال، على شكل حالة افتراضية نفترض فيها أن جميع النساء في جميع أنحاء المنطقة العربية متزوجات دون سن 18 عاماً؛ (ب) وسيناريو زواج غير الأطفال، وهو أفضل حالة افتراضية نفترض فيها أن جميع النساء في جميع أنحاء المنطقة العربية متزوجات في سن 18 عاماً أو أكثر؛ (ج) والسيناريو العام (السيناريو المعتاد)، وهو حالة يستمر فيها الوضع الراهن، أي أن زواج الأطفال لا يزال سائداً على المستوى الحالي في المنطقة العربية.
على الرغم من أن هذه الدراسة طبقت نهجاً متماسكاً لتقدير التكلفة المترتبة على زواج الأطفال، من المهم الإقرار بوجود بعض المعوقات والقيود المتعلقة بالبيانات في هذا البحث. ذلك أن تقدير العواقب الاقتصادية لزواج الأطفال باستخدام نموذج محاكاة على المستوى الكلي يتطلب مجموعة واسعة من مؤشرات المدخلات، بما في ذلك توزيع السكان حسب العمر والجنس، ومعدلات الخصوبة، واستخدام وسائل منع الحمل، ومعدلات الوفيات (مثل وفيات الرضَّع، ووفيات الأطفال دون سن الخامسة، ووفيات الأمهات)، ومستويات التعليم، والحالة الصحية، والمشاركة في القوى العاملة، والتوسع الحضري، والزراعة، ونصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي. ويتم الحصول على مؤشرات المدخلات بالدرجة الأولى من مصادر مثل التعدادات، ومسوحات العينات مثل الدراسات الاستقصائية الديمغرافية والصحية والمسوح العنقودية متعدِّدة المؤشرات وإحصاءات سوق العمل، فضلاً عن تسجيل الوقائع الحيوية والإحصاءات الرسمية من البلدان المعنيّة. وفي هذه الدراسة، استُخدمت أحدث البيانات المتاحة، وجرى استقراء مؤشرات المدخلات عند الاقتضاء. وتجدر الإشارة إلى أن عواقب زواج الأطفال معقدة وهرمية بطبيعتها. وبالتالي، فإن أي عملية لتقدير التكاليف تتم من خلال نموذج محاكاة على المستوى الكلي تميل إلى التقليل من شأن الأثر الحقيقي وليس المغالاة فيه، لأنه من المستحيل إدراج جميع البارامترات المتأثرة بشكل مباشر وغير مباشر بزواج الأطفال.
عرض هذه الدراسة الأنماط الوطنية ودون الوطنية لانتشار زواج الأطفال في 13 دولة عربية شملتها هذه الدراسة (الشكلان 3 و4). ووفقاً لتقرير الأمم المتحدة للتوقعات السكانية في العالم (2022)، تساهم هذه البلدان الثلاثة عشرة بنسبة 80 في المائة من سكان المنطقة العربية.
ويشهد انتشار زواج الأطفال تبايناً كبيراً في جميع أنحاء المنطقة وبين الأقاليم المختلفة داخل كل بلد. وتحتل الجزائر المرتبة الثانية من حيث تدني معدل انتشار زواج الأطفال بين البلدان التي تمت دراستها لغايات هذا التقرير، حيث 3.8 في المائة من النساء تزوجن دون سن 18 عاماً على المستوى الوطني في عامي 2018/2019 وعلى الرغم من انخفاض معدل انتشار زواج الأطفال في البلاد، ثمة تباين كبير في نمط هذه المسألة على المستوى دون الوطني. وفي المناطق السبع التي تتألف منها الجزائر، يتراوح معدل زواج الأطفال بين 0.6 في المائة في منطقة الشمال الشرقي و6.2 في المائة في منطقة الهضاب العليا.
وتساهم مصر بحوالي 24 في المائة من سكان المنطقة العربية باعتبارها أكبر دولة عربية من حيث عدد السكان. وبلغ معدل انتشار زواج الأطفال 17.4 في المائة في عام 2014 على المستوى القُطري. إلا أن ثمة تفاوتات كبيرة بين المحافظات، حيث سجلت الفيوم وبني سويف والجيزة نسباً تصل إلى 27 في المائة و26 في المائة و25 في المائة على التوالي، فيما سجلت السويس نسبة لا تزيد عن 4.4 في المائة من زواج الفتيات قبل سن 18 عاماً.
ويشكل سكان العراق 9 في المائة من مجموع سكان المنطقة العربية. وتتزوج 28 في المائة من نساء العراق قبل سن 18 عاماً، وهو ما يضع العراق في مصاف البلدان الخمسة التي تسجل أعلى نسبة زواج أطفال على مستوى المنطقة. وبالإضافة إلى ذلك، يتبيَّن من النظر إلى النمط دون الوطني وجود تباين كبير بين مقاطعات العراق الثماني عشرة. حيث يبلغ معدل زواج الأطفال أدنى مستوياته في دهوك بنسبة 8.14 في المائة وأعلاها في ميسان بنسبة 44 في المائة. وتسجل النجف (37.2 في المائة) وكربلاء (37 في المائة) وذي قار (35 في المائة) والبصرة (33.5 في المائة) وديالا (32 في المائة) ونينوى (31 في المائة) نسبة تتعدى 30 في المائة من النساء المتزوجات قبل سن 18 عاماً، اعتباراً من عام 2018.
وفي الأردن، حيث 9.7 في المائة من الفتيات تزوجن دون سن 18 عاماً على المستوى الوطني في 2017/2018، تشير الأرقام إلى انتشار زواج الأطفال بمعدلات معتدلة. كما يشهد الأردن كذلك تبايناً كبيراً في النمط دون الوطني لانتشار زواج الأطفال. وتتألف البلاد من 12 محافظة يتراوح فيها معدل زواج الأطفال بين 3.27 في المائة في الطفيلة و15.4 في المائة في المفرق.
وتحتل موريتانيا المرتبة الثانية بين جميع البلدان العربية التي شملتها الدراسة من حيث انتشار زواج الأطفال، حيث تزوجت 36.6 في المائة من الإناث قبل سن 18 عاماً. كما يتبيَّن من النظر إلى النمط دون الوطني وجود تباين كبير بين مناطق البلاد الأربع عشرة. حيث يبلغ معدل زواج الأطفال أدنى مستوياته في نواكشوط الغربية مسجلاً نسبة 16.5 في المائة وأعلى مستوى في غيديماكا بنسبة 57.3 في المائة. في حين أن أكثر من 40 في المائة من الإناث تزوجن قبل سن 18 عاماً اعتباراً من 2019-2021 في مناطق غورغول (50.3 في المائة) والحوض الشرقي (49.7 في المائة) والعصابة (46.2 في المائة) والحوض الغربي (43.7 في المائة).
وبلغ متوسط معدل زواج الأطفال في المغرب 16 في المائة في الفترة 2003/2004 حيث تتراوح النسبة المئوية للإناث المتزوجات قبل سن 18 عاماً من 7.7 في المائة في الدار البيضاء الكبرى إلى 29.4 في المائة في العيون - بوجدو - الساقية الحمراء.
وفي دولة فلسطين، حيث 13.4 في المائة من الفتيات تزوجن دون سن 18 عاماً على المستوى الوطني في 2020/2019، تشير الأرقام إلى اعتدال انتشار زواج الأطفال. كما تشهد دولة فلسطين كذلك اختلافاً جوهرياً في النمط دون الوطني لانتشار زواج الأطفال. حيث يتراوح معدل زواج الأطفال عبر المحافظات الست عشرة من 5.3 في المائة في طولكرم و22.8 في المائة في شمال غزة.
أما قطر فتسجل أحد أدنى مستويات انتشار زواج الأطفال في المنطقة العربية حيث 4.2 في المائة من الإناث تزوجن قبل بلوغهن سن 18 عاماً في عام 2012. غير أن النسبة المئوية للإناث المتزوجات قبل سن 18 سنة داخل البلاد تتراوح بين 0 في المائة في الشمال والوكرة و13.36 في المائة في الظعاين.
ويبلغ متوسط انتشار زواج الأطفال في الصومال 45.3 في المائة، وهو الأعلى بين جميع البلدان العربية المشمولة في هذه الدراسة. وتتفاوت مستويات انتشار زواج الأطفال تفاوتاً كبيراً عبر مناطق البلاد. حيث تتراوح هذه النسبة بين 12 في المائة في أودال و90 في المائة في جوبا الوسطى. كما أن 10 من أصل 18 منطقة في البلاد تسجل معدلات أعلى من المتوسط الوطني (أي 45 في المائة وما فوق).
أما السودان وهو ثاني أكبر بلد، ويشكل سكانه نحو 10 في المائة من سكان المنطقة العربية. وعلى الصعيد القُطري، بلغ معدل انتشار زواج الأطفال في السودان 34.2 في المائة في عام 2010. غير أن ثمة اختلافات كبيرة في انتشار زواج الأطفال في الولايات الثماني عشرة، وهي تتراوح بين 56 في المائة في وسط دارفور و17.6 في المائة في نهر النيل. وأكثر من 40 في المائة من الإناث يتزوجن قبل بلوغهن سن 18 عاماً في جنوب دارفور (52.3 في المائة)، والنيل الأزرق (49.6 في المائة)، والقضارف (47.5 في المائة)، وشرق دارفور (46.3 في المائة)، وغرب دارفور (45 في المائة)، وجنوب كردفان (43.7 في المائة)، وكسلا (40.6 في المائة).
وفي الجمهورية العربية السورية، حيث 13.3 في المائة من الفتيات تزوجن دون سن 18 عاماً على المستوى الوطني في 2012، تشير الأرقام إلى اعتدال انتشار زواج الأطفال. غير أن النسبة المئوية للإناث المتزوجات قبل سن 18 عاماً تتراوح داخل البلاد من 4.7 في المائة في طرطوس إلى 26 في المائة في القنيطرة.
وتسجل تونس أدنى معدل انتشار لزواج الأطفال بين 13 دولة عربية شملتها هذه الدراسة، حيث بلغ متوسط معدل زواج الأطفال على المستوى القُطري 1.5 في المائة في عام 2018. وحتى داخل البلاد، لا تتباين النسب المئوية للإناث المتزوجات قبل بلوغ سن 18 عاماً تبايناً كبيرا.
أما اليمن فواحدٌ من البلدان الخمسة التي تسجل أعلى نسبة انتشار لزواج الأطفال في المنطقة العربية، حيث تزوج ما معدله 32 في المائة من الإناث قبل سن 18 عاماً في عام 2013. كما تشهد البلاد تبايناً كبيراً على المستوى دون الوطني عبر محافظاتها البالغ عددها 21 محافظة، إذ تتراوح نسبة الإناث المتزوجات قبل سن 18 عاماً من 50.5 في المائة في ذمار إلى 10 في المائة في عدن. وإلى جانب ذمار، تسجل ثلاث محافظات أخرى، وهي الجوف والمحويت وريمة، معدل انتشار زواج الأطفال يصل إلى أكثر من 40 في المائة.
تعرض الدراسة في نموذجيها المفاهيمي والتجريبي العديد من الآليات التي يؤدي من خلالها زواج الأطفال إلى تكبد البلاد لتكاليف اقتصادية. بعد أن استعرضنا ما يؤكد عليه تقرير Wodon and others (2017) من حيث أن «آثار زواج الأطفال كبيرة على الخصوبة والنمو السكاني والتعليم وكذلك على نتائج سوق العمل»، يناقش هذا الفصل على أساس تجريبي هذه المؤشرات الرئيسية، والتي هي أيضاً الآليات الحاسمة للتكاليف الاقتصادية لزواج الأطفال في نموذج المحاكاة في هذه الدراسة. أيضا، واستناداً إلى دراسات سابقة حول هذا الموضوع من سياق جغرافي آخر، يستعرض هذا الفصل كيف أن الخصوبة، ووفيات الرضَّع، والتعليم، ومشاركة المرأة في القوى العاملة، والتكاليف الاقتصادية والصحية للأسرة المعيشية هي عوامل تنشأ في صلب عدة مؤشرات أخرى، كما يتبيَّن في النموذج المفاهيمي والتجريبي المستخدَم لتقدير التكاليف الاقتصادية لزواج الأطفال في هذه الدراسة.
يشكل النمو السكاني أحد المحدّدات المعروفة للنمو الاقتصادي. ويتأثر النمو السكاني بشكل كبير بمعدلات الخصوبة. وارتفاع معدلات الخصوبة هو أحد الآثار الرئيسية لزواج الأطفال. كما يعكس ارتفاع الخصوبة ارتفاع عدد حالات الحمل والولادات غير المرغوب فيها. وارتفاع عدد الولادات هذا هو آلية من الآليات التي يؤثر من خلالها زواج الأطفال على اقتصاد الدولة. وبالتالي تحلل الدراسة الاختلافات في الخصوبة بالاقتران مع العمر عند الزواج الأول من أجل فهم هذه الظاهرة فهماً شاملا. ومع أن العمر عند الإنجاب لأول مرة له كذلك الدلالات ذاتها، تتجنب الدراسة استخدامه بسبب التجانس الداخلي العالي بين العمر عند الزواج الأول والولادة الأولى.
معدل الخصوبة الكلي هو مقياس رئيسي للخصوبة يشير إلى متوسط عدد الأطفال المولودين لكل امرأة على مدى حياتها. في الجدول 2، نعرض الفروق في معدل الخصوبة الإجمالي بين الإناث المتزوجات دون سن 18 عاماً ومن تزوجن في سن 18 وما فوق. وتشير النتائج إلى وجود اختلافات كبيرة ولكن متفاوتة في الخصوبة بين الإناث المتزوجات دون سن 18 عاماً والمتزوجات في سن 18 عاماً فما فوق في الثلاث عشرة دولة عربية. على سبيل المثال، في الجزائر، يساوي معدل الخصوبة الإجمالي للإناث المتزوجات دون سن 18 عاماً 4.1 مقارنة بنسبة 1.9 فقط بين المتزوجات في سن 18 عاماً فما فوق. وتوجد أكبر اختلافات في الخصوبة حسب العمر عند الزواج الأول في تونس حيث الإناث المتزوجات دون سن 18 عاماً خصوبتهن أعلى بمقدار 2.5 مرة من نظيراتهن المتزوجات في سن 18 عاماً فما فوق. وفي صفوف البلدان الأخرى، تسجل دولة فلسطين والمغرب ومصر أكثر من ضعف معدلات الخصوبة بين الإناث المتزوجات دون سن 18 عاماً مقارنةً بالمتزوجات في سن 18 عاماً فما فوق. وعلى الرغم من ارتفاع معدلات الخصوبة، تسجل الجمهورية العربية السورية والعراق وموريتانيا واليمن اختلافات أقل في الخصوبة حسب العمر عند الزواج الأول. وعلى النقيض من ذلك، لدى السودان والصومال معدلات خصوبة أعلى وفروق أكبر حسب العمر عند الزواج الأول. ويمكن العثور على أقل الاختلافات في العراق وقطر.
تُعَدُّ صحة السكان أيضاً عامل رأس مال بشري معترَف به للنمو الاقتصادي يَظهر تأثيره بشكل مباشر وغير مباشر. وتحدِّد صحة السكان بشكل مباشر نوعية رأس المال البشري، في حين أن لها تأثيراً غير مباشر على النمو الاقتصادي من خلال تأثيرها على النمو السكاني. ومعدل وفيات الرضَّع ومعدل وفيات الأطفال دون سن الخامسة، اللذان يشيران إلى وفيات الأطفال بعمر أقل من سنة واحدة وأقل من خمس سنوات لكل 1,000 ولادة حية، على التوالي، هي مؤشرات صحية حساسة للسكان. وهذه ليست مقاييس رئيسية لصحة الطفل فحسب، بل هي تقيس أيضاً الرعاية الصحية للأمهات والأطفال. ويرتفع معدل الوفيات بين الرضَّع والأطفال للأمهات المراهقات مقارنة بمعدل الوفيات بين المولودين للفتيات المتزوجات فوق سن 18 عاماً. وتتسبب قنوات عديدة في ذلك، منها معاناة الأم الشابة من سوء تغذية مما يؤثر على الحالة التغذوية للأطفال، وتقييد قدرتها على اتخاذ القرارات في ما يتعلق بالخيارات الإنجابية والحصول على الرعاية الصحية، وافتقادها إلى الولاية على ذاتها وإلى القدرة على التنقُّل، وانخفاض مستوى معرفتها بمسائل منع الحمل والأمراض المنقولة عن طريق الاتصال الجنسي. ويبيِّن الجدول 3 الفروق بين معدل وفيات الرضَّع ومعدل وفيات الأطفال دون سن الخامسة بين الإناث المتزوجات دون سن 18 عاماً والمتزوجات في سن 18 عاماً فما فوق.
وتشير النتائج إلى اختلافات كبيرة ولكن متفاوتة في معدلات وفيات الرضَّع ومعدلات وفيات الأطفال دون سن الخامسة بين الإناث المتزوجات دون سن 18 عاماً والمتزوجات في سن 18 عاماً فما فوق عبر البلدان العربية الثلاثة عشر التي شملتها هذه الدراسة. فعلى سبيل المثال، تسجل الصومال أكبر فرق (2.6 مرة) في معدل وفيات الرضَّع لدى الإناث المتزوجات دون سن 18 عاماً مقارنة بالمتزوجات في سن 18 عاماً فما فوق. وفي الجزائر، تقارب معدلات وفيات الأطفال المولودين للفتيات المتزوجات دون سن 18 عاماً ضعف معدلات وفيات المتزوجات فوق سن 18 عاماً. أما بقية البلدان فيتراوح الفرق في معدلات وفيات الأطفال فيها بين 1 و<2، وأطفال الإناث المتزوجات دون سن 18 عاماً أسوأ حالاً في جميع هذه البلدان مقارنة بأطفال المتزوجات في سن 18 عاماً فما فوق. ويشهد معدل وفيات الأطفال دون سن الخامسة نمطاً مماثلاً من الاختلافات حسب عمر الأم عند زواجها الأول.
يشكل التعليم مقياساً رئيسياً لرأس المال البشري وهو يتنبأ بالنمو الاقتصادي. وتشير المؤلفات على نطاق واسع بتعطُّل التحصيل العلمي للنساء المتزوجات في سن الطفولة. وتقلّ احتمالية التحاق الإناث المتزوجات دون سن 18 عاماً بالتعليم العالي مقارنة بالمتزوجات في سن أعلى. ويفضي انخفاض مستويات تعليم المرأة إلى نتائج اجتماعية واقتصادية سيئة ليس للمرأة كفرد فحسب بل لأسرتها المعيشية أيضاً لا بل وعلى مستوى الدولة كذلك. وبالتالي، يشكل التعليم آلية يمكن من خلالها أن يؤثر زواج الأطفال على اقتصاد الدولة. ويعرض الجدول 4 الفروق في مستوى التعليم حسب العمر عند الزواج الأول. وتشير النتائج إلى اختلافات كبيرة ولكن متفاوتة في التحصيل العلمي على مستوى التعليم العالي بين النساء المتزوجات دون سن 18 عاماً والمتزوجات في عمر يزيد عن 18 عاماً. على سبيل المثال، في بلدان مثل الجزائر والمغرب، يفوق الفرق في التعليم العالي بين الإناث المتزوجات دون سن 18 عاماً ونظيراتهن المتزوجات في سن 18 عاماً فما فوق 20 مرة في الجزائر و67 مرة في المغرب، في حين أن الاختلافات هي الأقل في قطر (مرتين) والعراق (5 مرات). وتشير الأرقام في بلدان أخرى، مثل الجمهورية العربية السورية والسودان والصومال ومصر واليمن، إلى ارتفاع التحصيل التعليمي بين النساء المتزوجات في سن 18 عاماً وما فوق مقارنة بالمتزوجات دون سن 18 عاماً. وتبلغ الاختلافات في مستويات التعليم في الأردن وتونس ودولة فلسطين وموريتانيا حوالي سبعة أضعاف في المتوسط، حيث النساء المتزوجات في سن 18 عاماً فما فوق أفضل حالاً في جميع هذه البلدان.
يؤثر معدل مشاركة السكان في القوى العاملة تأثيراً مباشراً على الآفاق الاقتصادية للأسرة وللبلد، في حين يؤثر زواج الأطفال على مشاركة الفرد في سوق العمل. ومع ذلك، تزداد مشاركة الذكور في القوى العاملة بعد الزواج بينما تنخفض مشاركة الإناث. ويتبيَّن من النظر في قاعدة بيانات إحصاءات منظمة العمل الدولية، التي تستخدم بيانات من 107 بلدان، أن مستوى مشاركة الرجال في القوى العاملة أعلى من مشاركة الإناث، وتتفاقم هذه الفجوة بين الجنسين في صفوف الرجال والنساء المتزوجين. علاوة على ذلك، يقلل الإنجاب أيضاً من مشاركة الإناث. ويعرض الجدول (5) الفروق في المشاركة في سوق العمل بين الإناث المتزوجات دون سن 18 عاماً والنساء المتزوجات في سن 18 عاماً فأكثر بالنسبة لمن هن في الفئة العمرية 15-49 سنة في خمسة بلدان عربية. وتشير النتائج إلى انخفاض معدل المشاركة في القوى العاملة للإناث المتزوجات دون سن 18 عاماً مقارنة بالمتزوجات في سن 18 عاماً وما فوق، لكن مع تفاوت هذه المعدلات بين البلدان. على سبيل المثال، يقلّ معدل مشاركة القوى العاملة للإناث المتزوجات دون سن 18 عاماً في الجزائر ثلاث مرات تقريباً مقارنة بالمتزوجات في سن 18 عاماً فما فوق. وحتى في المغرب ومصر، تتسم مشاركة المرأة في القوى العاملة بمعدلٍ منخفضٍ إلى حد كبير بالنسبة للإناث المتزوجات دون سن 18 عاماً مقارنة بالمتزوجات في سن 18 عاماً فما فوق. كما أن معدلات المشاركة في القوى العاملة في موريتانيا واليمن أيضاً أقل بالنسبة للإناث المتزوجات دون سن 18 عاماً مقارنة بالمتزوجات في سن 18 عاماً فما فوق.
يبيِّن الجدول 6 النسبة المئوية للخسارة في الناتج المحلي الإجمالي بسبب زواج الأطفال في 13 دولة عربية شملتها هذه الدراسة. في عام 2021، خسرت الجزائر أعلى نسبة من الناتج المحلي الإجمالي (5.1 في المائة)، في حين خسرت قطر أدنى نسبة من الناتج المحلي الإجمالي (0.1 في المائة). وخسرت 10 بلدان أكثر من 2 في المائة من ناتجها المحلي الإجمالي، وخسرت تونس والسودان ودولة فلسطين أكثر من 4 في المائة (4.3 في المائة و4.9 في المائة و4.3 في المائة على التوالي). أما البلدان الثلاثة المتبقية فخسرت أقل من 2 في المائة من ناتجها المحلي الإجمالي بسبب زواج الأطفال، ولم تسجل سوى الجمهورية العربية السورية وقطر نسبة أقل من 0.5 في المائة (0.3 في المائة و0.1 في المائة على التوالي).
من المهم الإشارة إلى أن التكلفة الاقتصادية لزواج الأطفال لا تعتمد فقط على معدلات زواج الأطفال ولكن أيضاً على الاختلافات في النتائج الديمغرافية والاجتماعية والاقتصادية بين الفتيات اللاتي تزوجن قبل بلوغهن سن 18 عاماً والفتيات اللاتي تزوجن في سن 18 عاماً وما فوق. لذلك، ستتكبد الأردن وتونس والجزائر تكاليف اقتصادية أكبر تُعزى إلى زواج الأطفال نظراً إلى ما لديها من تفاوتات أكبر على صعيد الخصوبة والتعليم بين الإناث المتزوجات دون سن 18 عاماً مقارنة بالمتزوجات في سن 18 عاماً وما فوق. في حين أنه في بلدان مثل العراق وموريتانيا على سبيل المثال، وعلى الرغم من ارتفاع معدلات انتشار زواج الأطفال، فإن الاختلافات النسبية في معدلات الخصوبة والمستويات التعليمية في صفوف الأزواج الذين تقل أعمارهم عن 18 عاماً والأزواج بعمر 18 عاماً فما فوق ليست مرتفعة مقارنة بالأردن وتونس والجزائر، مما يحد من التكاليف الاقتصادية التي يتسبب بها زواج الأطفال.
وبالنظر إلى النموذج المستخدَم في عملية تقدير التكاليف هذه، ستظل الاتجاهات على حالها تقريباً في السنوات المتوقعة. وفي عام 2050، من المتوقع أن يخسر السودان أعلى نسبة من ناتجه المحلي الإجمالي (5.1 في المائة)، في حين من المتوقع أن تخسر قطر أدنى نسبة بنسبة 0.1 في المائة. ومن المتوقع أن تخسر ثمانية بلدان أكثر من 2 في المائة من ناتجها المحلي الإجمالي بسبب زواج الأطفال، بمتوسط قدره 4.06 في المائة. ومن المتوقع أن تخسر البلدان الخمسة المتبقية، وهي الجمهورية العربية السورية والصومال والعراق وقطر وموريتانيا، أقل من 2 في المائة من ناتجها المحلي الإجمالي، مما يعني أن توفر الموارد الاجتماعية والاقتصادية والصحية الجيدة يمكن أن يساعد في تجنب التكاليف الاقتصادية المرتفعة لزواج الأطفال.
بلغت التكلفة الاقتصادية المقدَّرة لزواج الأطفال في المنطقة العربية 3.2 في المائة في عام 2021 وستبلغ 3 في المائة في عام 2050.
كان لزواج الأطفال تأثير اقتصادي قدره بالقيمة المطلقة (الجدول 7) 40.7 مليار دولار في عام 2021، ومن المتوقع أن يرتفع هذا الرقم إلى إجمالي تراكمي قدره 3 تريليونات دولار بحلول عام 2050. ومن بين البلدان التي تم تحليلها، سجلت مصر أعلى تكلفة اقتصادية في عام 2021، حيث بلغت 91.3 مليار دولار، في حين سجلت موريتانيا أقل تكلفة بقيمة 0.6 مليار دولار. وبالنظر إلى عام 2050، من المتوقع أن يتكبد السودان أعلى تكلفة اقتصادية تراكمية بسبب زواج الأطفال، تقدر بنحو 18,784 مليار دولار، في حين من المتوقع أن تحافظ موريتانيا على موقعها بأقل تكلفة اقتصادية تراكمية تبلغ 66.6 مليار دولار.
إن الأهمية الاقتصادية المرتبطة بانتشار زواج الأطفال أكبر بالنسبة للبلدان التي ترتفع فيها معدلات زواج الأطفال والخصوبة، وسوء خدمات الرعاية الصحية، مثل الأردن والجزائر والسودان والصومال ودولة فلسطين واليمن. وفي البلدان العربية الثلاثة عشر، يتماشى إجمالي تقديرات الناتج المحلي الإجمالي الواردة في هذه الدراسة مع تقديرات البنك الدولي للبلدان المعنيّة.
كما يتبيَّن من خلال الإطار المفاهيمي لهذه الدراسة، فإن جزءاً من التكلفة الاقتصادية لزواج الأطفال بالنسبة للبلدان يؤثر على الأسرة أيضا. وتعاني الأسر التي تزوجت فيها امرأة وهي طفلة من خسارة أكبر في الدخل سواء من خلال فقدان الأجور أو جراء ارتفاع نفقات الرعاية الصحية. وكان تقريرا Wodon and others (2017) وWodon and Yedan (2017b) قد أشارا سابقاً أن المشاركة الاقتصادية والدخل من الأجور للإناث المتزوجات في سن مبكرة أقل بكثير مقارنة بنظيراتهن المتزوجات في سن أكبر. وللأجور تأثير كبير على دخل الأسرة.
ويقدم هذا القسم تحليلاً لمتوسط التكاليف الاقتصادية السنوية التي تتحملها الأسر وتكاليف الرعاية الصحية الخاصة المرتبطة بزواج الأطفال. وتشير النتائج الواردة في الشكل 5 إلى أن الأسر في معظم البلدان العربية تواجه متوسط تكاليف اقتصادية سنوية كبيرة. فعلى سبيل المثال، تسجل سبعة بلدان عربية (الأردن وتونس والجزائر والعراق ومصر والمغرب ودولة فلسطين) متوسط تكاليف اقتصادية يتجاوز 600 دولار لكل أسرة، حيث سجلت الجزائر أعلى تكلفة تعادل 1,173 دولاراً والجمهورية العربية السورية أقل تكلفة تعادل 37 دولارا.
كما يتسم متوسط تكاليف الرعاية الصحية السنوية المقدَّرة للأسر بتباين كبير بين البلدان. ويتراوح نطاق متوسط تكلفة الرعاية الصحية من 292 دولاراً في الأردن إلى 5 دولارات فقط في الجمهورية العربية السورية. بالإضافة إلى ذلك، أربعة بلدان فقط (وهي الأردن والجزائر ودولة فلسطين والمغرب) تتجاوز فيها نفقات الرعاية الصحية للأسر 100 دولار في السنة (الشكل 6).
من الثابت أن لزواج الأطفال عواقب مدى الحياة على الفتيات من حيث ضعف نتائجهن التعليمية والصحية والاقتصادية، وهو ما يحرمهن بالتالي من حقوقهن الأساسية ويُبقي الجيل القادم في ظروف سيئة. وقد تسببت جائحة كوفيد-19 بتفاقم هذه القضية التي باتت تتطلب تدخلاً فعالاً ومقصودا، لا سيّما في أفقر البلدان التي تسجّل أعلى معدلات لزواج الأطفال. وثمة المزيد من الدراسات التي تبرز على نحو متزايد الآثار الضارة لزواج الأطفال على جوانب متنوّعة من نتائج التنمية. ومع ذلك، لا يزال تضافر الجهود والموارد لتحييد هذه الممارسة غير كافٍ في جميع أنحاء المنطقة العربية. ولتحفيز الجهود الرامية إلى القضاء على زواج الأطفال، تستعرض هذه الدراسة التكاليف الاقتصادية المترتبة على زواج الأطفال والآليات الرئيسية في هذا الصدد.
وتم تقدير التكاليف الاقتصادية لزواج الأطفال في 13 دولة عربية من عام 2001 إلى عام 2050. غير أن الجدول الزمني يختلف لعدد قليل من البلدان بسبب عدم توافر البيانات. إن التكلفة الاقتصادية المقدَّرة لزواج الأطفال من حيث إجمالي الناتج المحلي والنسبة المئوية للخسارة في الناتج المحلي الإجمالي تقدم دليلاً دامغاً على أن زواج الأطفال يترتب عليه تكاليف اقتصادية هائلة ومضطردة للمنطقة العربية. وتقدَّر الخسارة في الناتج المحلي الإجمالي بسبب زواج الأطفال في 13 دولة عربية بنسبة 3.2 في المائة لعام 2021 ومن المتوقع أن تبلغ 3 في المائة في عام 2050، مع خسارة تراكمية للناتج المحلي الإجمالي تبلغ حوالي 3 تريليونات دولار خلال الفترة المتوقعة. وعلى صعيد البلدان، تشير التقديرات إلى أن الجزائر والسودان ستخسران أعلى نسبة من الناتج المحلي الإجمالي بسبب زواج الأطفال في عام 2021، في حين تسجل قطر أدنى معدل خسارة في الناتج المحلي الإجمالي.
ومن ناحية أخرى، إذا استمر المعدل الحالي، من المتوقع أن يخسر السودان في عام 2050 ما نسبته 5.1 في المائة، والجزائر ما نسبته 4.8 في المائة، وتونس ما نسبته 4.6 في المائة، وهذه الأرقام تمثل أعلى خسارة في الناتج المحلي الإجمالي بسبب زواج الأطفال. وتُعزى الفوارق على المستوى القُطري في التكاليف الاقتصادية لزواج الأطفال من حيث خسارة الناتج المحلي الإجمالي إلى مدى انتشار زواج الأطفال والعوامل المرتبطة بالموارد المتوفرة مثل جودة الرعاية الصحية والنظام الاجتماعي والاقتصادي. وعلى الرغم من تشابه معدلات زواج الأطفال في بعض البلدان، من المحتمل أن بعضاً منها تمكَّن من الحدّ من الأضرار الناجمة عن زواج الأطفال من خلال تحسين الرعاية الصحية والنُّظُم الاجتماعية والاقتصادية، وهو ما يشير إليه انخفاض النسب المئوية للخسارة في الناتج المحلي الإجمالي. أما بعض البلدان، مثل السودان، فلم تشهد فرقاً كبيراً في النتائج الديمغرافية والاجتماعية والاقتصادية بين الإناث المتزوجات دون سن 18 عاماً والمتزوجات في سن 18 عاماً فما فوق. وبالتالي، فإن التكاليف الاقتصادية في هذه البلدان والتي تُعزى فقط إلى زواج الأطفال منخفضة نسبياً على الرغم من ارتفاع معدل انتشار زواج الأطفال وانخفاض النتائج الديمغرافية والاجتماعية والاقتصادية في البلاد.
وفي البداية، وجدت الدراسة أن التكلفة الاقتصادية لزواج الأطفال كبيرة في جميع أنحاء المنطقة العربية. فتقديراتنا (3.1 في المائة في عام 2021 للمنطقة العربية) أعلى قليلاً مقارنة بدراسة Mitra and others (2020) التي تقدِّر التكلفة بنسبة 1.05 في المائة في حالة بلدان الأسواق الناشئة والبلدان النامية، ودراسة Wodon and others (2017) التي تقدِّر التكلفة بنسبة 1.44 في المائة في حالة بلدان جنوب آسيا والشرق الأوسط وأفريقيا. ويمكن أن يُعزى هذا التقدير الأعلى في الدراسة الحالية إلى عدد أكبر من المكونات التي تم أخذها في الاعتبار في عملية التقدير (أي التكاليف المباشرة وغير المباشرة). تمثل التكلفة الاقتصادية المقدَّرة لزواج الأطفال في هذه الدراسة عدّة تكاليف مباشرة وغير مباشرة، كما هو موضح في الإطار التحليلي (الشكل 2). ولا تعتمد التكلفة الاقتصادية لزواج الأطفال على مستوى انتشاره فحسب، بل تعتمد أيضاً على وفورات الحجم والسياسات الاجتماعية والاقتصادية والديمغرافية والصحية للبلد.
ومن منظور السياسات، تشير الدراسة إلى أن البلدان العربية يمكن أن تزيد ناتجها المحلي الإجمالي بنحو 3 في المائة من خلال القضاء على زواج الأطفال. ومن المهم الإشارة إلى أن الدراسة الحالية لا تُجري تحليلات تجريبية مفصلة لجميع المسارات التي يؤثر من خلالها زواج الأطفال على اقتصاد الدولة واستراتيجيات التدخل للقضاء على زواج الأطفال لأنها موثقة على نطاق واسع في المؤلفات المتوفرة. وتتيح هذه الدراسة من خلال تجميع الأدلّة التجريبية في سياق الأدبيات السابقة، فضلاً عن إطارها المفاهيمي، فهم الآليات التي يؤدي من خلالها زواج الأطفال إلى تكبد الدولة لتكاليف اقتصادية، وتقدم أيضاً استراتيجيات تدخُّل ممكنة للتغلب على هذه التبعات. والآليات الحاسمة التي تحدِّدها الدراسة هي النتائج الديمغرافية والاجتماعية والصحية. وتشمل النتائج الديمغرافية حالات الحمل غير المرغوب فيه والإجهاض غير الآمن التي تغيِّر من شكل النمو في المستقبل، ومعدلات البقاء على قيد الحياة، و/أو الإنجاب. وتشمل الآثار الاجتماعية خسارة الفتيات اللاتي يتم تزويجهن في سن الطفولة لفرص التحصيل العلمي، مما يضر في نهاية المطاف بممارستهن لحقوقهن الأساسية، وقدرتهن على اتخاذ القرار، وفرص الحصول على دخل، والدعم المجتمعي وتمكينهن بشكل عام. وتشمل الآثار الصحية ارتفاع معدلات خصوبة الإناث اللاتي يتزوجن في سن مبكرة وارتفاع معدلات وفيات وأمراض الأمومة. وهذه الآثار التي تتحملها الفتيات اللاتي يتزوجن في سن مبكرة قد تكون مباشرة أو غير مباشرة، وقد تكون كذلك نقدية أو غير نقدية، ويتحمل تبعاتها الأفراد والأسر المعيشية، كما أنها تتراكم على مستوى الدولة.
وختاما، تعرض هذه الدراسة الاقتراحات الواردة في دراسة Asha George and others (2020) بأن القضاء على زواج الأطفال يتطلب أيضاً معالجة المحدّدات الهيكلية لعدم المساواة بين الجنسين. وكلما أسرعت الحكومات في العمل على القضاء على زواج الأطفال، زادت الوفورات الاقتصادية. ومع أن التكاليف المالية لا ينبغي أن تكون السبب الوحيد للاستثمار في القضاء على هذه الممارسة، فأنها تمثل بلا شك شاغلاً كبيرا. ويجب على البلدان العربية تعزيز سياساتها الاجتماعية والاقتصادية والسكانية والصحية لضمان قدر أكبر من المساواة بين الجنسين في نتائج التعليم والصحة وسوق العمل. وإضافة إلى ما سبق، فإن تمويل الجهود الساعية للقضاء على زواج الأطفال هو ضمانة لإعمال حقوق الإنسان.
يعرض هذا الفصل توصيات للبلدان العربية في مجال السياسات ترتكز على البحوث والتحليلات التي أُجريت في سياق هذه الدراسة، إلى جانب الأدلّة الأخرى المتاحة. وتقدم الدراسة فرضية مفادها أن الحكومات العربية بحاجة إلى العمل على جبهتين، الأولى تتمثل في القضاء على زواج الأطفال؛ والثانية تتمثل في تحييد الآثار السلبية لزواج الأطفال على المستويين الفردي والأسري. ومن المعروف جيداً أن إنهاء ممارسة زواج الأطفال أمر بالغ الأهمية للنهوض بالمساواة بين الجنسين. ولهذا يجب على الحكومات معالجة المحدّدات الهيكلية لعدم المساواة بين الجنسين. ومن ثم، يجب على البلدان أن تتصدى للأدوار الجنسانية والمعايير وعلاقات القوة الضارة من خلال اعتماد سياسات شاملة ومتعدِّدة الأوجه، على النحو المبين أدناه.
لا يزال زواج الأطفال يُمارَس في المنطقة، مما يسلّط الضوء على الطبيعة المحلية لهذه الممارسة وضرورة إجراء تدخلات محدَّدة الأهداف. وينبغي للبلدان التي ترتفع فيها معدلات انتشار زواج الأطفال (بنسبة تتعدى 10 في المائة) أن تضع استراتيجيات وقائية، مع التركيز على البؤر الساخنة (الأقاليم أو المحافظات أو المناطق). وينبغي أن تقترن هذه الجهود ببرامج تتحدى الأعراف الضارة والتمييز، إلى جانب الحرص في تنفيذ سياسات وتشريعات لحماية الطفل على الصعيد الوطني، بما في ذلك سد الثغرات المتعلقة بزواج الأطفال. وتشير الاستعراضات المنهجية الأخيرة إلى أن برامج الحوافز النقدية قد خفضت بشكل فعّال معدلات زواج الأطفال في مختلف البلدان. وعليه يمكن للبلدان العربية أن تنظر في اعتماد مبادرات مماثلة لمعالجة هذه المسألة.
ينبغي للبلدان اعتماد نَهج شامل ومتعدِّد الأوجه لمعالجة الآثار السلبية لزواج الأطفال وتهيئة بيئة تمكينية للإناث. وينبغي أن يشمل هذا النَّهج ما يلي: (1) تعزيز سياسات تنظيم الأسرة والرعاية الصحية للأمهات والأطفال للحدّ من حالات الحمل غير المقصود، والولادات، ووفيات الأطفال التي يمكن تجنُّبها لإبطاء النمو السكاني وبالتالي الحدّ من التكلفة الاقتصادية لزواج الأطفال في المنطقة؛ (2) التركيز على الحدّ من الخصوبة وتقليص الفوارق التعليمية بين الفتيات المتزوجات قبل بلوغهن سن 18 عاماً والمتزوجات بعد بلوغ ذلك السن، وبشكل أساسي بالنسبة للبلدان التي تعاني من ارتفاع التكاليف الاقتصادية بسبب زواج الأطفال على الرغم من انخفاض معدل انتشار زواج الأطفال؛ (3) اعتماد نَهج استباقي في سياسات القطاع التعليمي لضمان استمرار تعليم الفتيات قبل الزواج وبعده، ولا سيّما توفير فرص التعلُّم البديلة بعد الزواج أو أثناء الحمل؛ (4) وضع وتنفيذ سياسات مرنة في سوق العمل تدعم وتتيح لمزيد من النساء دخول سوق العمل قبل الزواج وبعده.
تستوجب المعالجة الفاعلة لمشكلة زواج الأطفال في المنطقة العربية ضمان جمع البيانات الموثوقة والمصنَّفة حول المؤشرات الرئيسية. وينبغي للبلدان أن تؤسس عمليات منهجية لجمع البيانات لجمع معلومات دقيقة وحديثة. ويمكن تحقيق ذلك من خلال وضع قواعد بيانات شاملة تستخدِم نُظُم البيانات الإدارية أو إجراء مسوحات بالعينات. ومن شأن هذه المبادرات إتاحة فهم أعمق للآثار الفورية والطويلة الأجل لزواج الأطفال على النساء والفتيات وأسرهن ومجتمعاتهن المحلية والمجتمع ككل.
إن تقدير الأثر الاقتصادي لزواج الأطفال هو وسيلة لمعالجة الآثار القصيرة والمتوسطة والطويلة الأجل لزواج الأطفال بالتوازي مع اعتماد نَهج قائم على حقوق الإنسان. والاستثمار في المبادرات الرامية إلى القضاء على زواج الأطفال لا يعزِّز إعمال حقوق الإنسان فحسب، بل هو منطقي من الناحية الاقتصادية أيضا. وفي هذا الصدد، من بالغ الأهمية أن تتعاون الحكومات مع مجموعة واسعة من أصحاب المصلحة لتأمين فرص التمويل المستدام والعمل على القضاء على هذه الممارسة الضارة في المنطقة.