تسارعت جهود الرقمنة على مستوى الحكومات ومؤسسات الأعمال في المنطقة العربية بحكم الضرورة التي حتّمتها تدابير الإغلاق الشامل والتباعد الاجتماعي. وفي حال استمرت هذه الجهود، فإنها تبشر بتعزيز التحول الرقمي في المنطقة العربية، الأمر الذي سيُطلق العنان لإمكانات هائلة للبناء من أجل المستقبل على نحو أفضل وتحقيق أهداف التنمية المستدامة. فما الذي يمكن تعلّمه من تدابير الاستجابة حتى الآن وما الذي ينبغي للبلدان العربية مراعاته على المدى الطويل؟
الأهداف ذات الصلة المباشرة:
لمواجهة جائحة كوفيد-19 والتعامل مع تبعاتها، لجأ الأفراد إلى جانب الوكالات الحكومية والقطاع الخاص في جميع أنحاء المنطقة العربية إلى التكنولوجيات الرقمية لحماية الأرواح والحفاظ على التفاعل الاجتماعي وضمان استمرارية التعليم والأعمال والخدمات العامة.
وبعد مرور عامين تقريباً على تفشي الجائحة، يجب على البلدان العربية أن تسترشد باعتبارات الإنصاف والمنعة والاستدامة عند تحديد تدابير الاستجابة الرقمية لكوفيد-19 الواجب مأسستها وتوسيع نطاقها. وينبغي إيلاء الاعتبار الواجب للتوجهات التكنولوجية الكاسحة والتهديدات المحتملة واتخاذ الإجراءات اللازمة لتحفيز التغييرات المنهجية الضرورية لإعادة البناء على نحو أفضل وتحقيق خطة عام 2030 في المنطقة العربية.
يتعلق التحول الرقمي باستخدام التكنولوجيات الرقمية لإحداث تغيير جوهري في المنتجات والعمليات والخدمات بما يحسّن تلبية احتياجات العملاء.
سعى معظم البلدان العربية إلى توسيع نطاق الوصول الرقمي بهدف الإسراع في تحقيق تحوّل رقمي شامل.
يمكن للتحول الرقمي أن يدفع المساواة والشمول والتقدم الاجتماعي. ومع ذلك، للاستفادة من قيمته الكاملة والحؤول دون تعميق الهوة القائمة أو التسبب بنشوء فجوات جديدة، سيكون على البلدان في المنطقة معالجة أوجه عدم المساواة القائمة أصلاً. وينبغي لها على وجه الخصوص:
وعلى الرغم من التقدم المحرز في الاتصال بالإنترنت، لا يزال الوصول إليه غير متاح للجميع.
ولا تزال الفجوة الرقمية قائمة داخل البلدان وبينها.
نسبة الأفراد الذين يستخدمون الإنترنت، حسب الموقع والجنس (2020)
وتبرز الحاجة أيضاً إلى منع العنف ضد المرأة والفتاة على الإنترنت.
أمرت البلدان العربية بإغلاق المدارس خلال الجائحة وسطياً لمدة 24.1 أسبوعاً. [3] وللحد من تعطيل التعلم، وضع معظم البلدان برامج للتعلم عن بعد اختلفت اختلافاً كبيراً حسب السياق.
لقد أثبت التحول إلى التعليم عبر الإنترنت في معظم البلدان العربية أن إدخال تغييرات سريعة وواسعة النطاق على نُظُم التعليم ممكن إذا توافر العزم والدعم النشط من جميع الجهات صاحبة المصلحة، الحكومية منها وغير الحكومية، بما في ذلك الأسر والمجتمعات المحلية. ويمكن للبلدان العربية:
طورت الحكومات في جميع أنحاء المنطقة العربية بوابات إلكترونية لنشر الوعي بالفيروس وتعزيز السلوكيات الآمنة وإطلاع السكان على وضع الجائحة في بلدانهم.
وكذلك، أصبحت الرقمنة جزءاً من الرعاية الصحية في العديد من البلدان العربية. فبينما ضغطت جائحة كوفيد- 19 على النُظُم الصحية حول العالم، تحول العديد من الحكومات إلى التكنولوجيا لتعزيز التباعد الاجتماعي والحفاظ على موارد المستشفيات لفائدة أولئك الذين هم في حاجة ماسة إلى الاهتمام الشخصي. وقدم المانحون الدعم إلى البلدان المتأثرة بالنزاعات من أجل تعزيز قدراتها في مجال الرعاية الصحية الرقمية.
استخدمت المنشآت تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لتمكين العمل عن بعد حيثما أمكن سعياً منها إلى الحفاظ على استمراريتها في ظل قيود التباعد الاجتماعي. وعلى الرغم من عدم توافر أي أرقام عن عدد الموظفين الذين استفادوا من خيار العمل عن بعد في المنطقة، فقد انتشر هذا العمل بدرجة معينة في جميع البلدان العربية بغض النظر عن مستويات الاتصال بالإنترنت والإلمام بالتكنولوجيا الرقمية.
وسعى العديد من البلدان العربية المتوسطة والمرتفعة الدخل إلى تعزيز التجارة الإلكترونية. ولا يصح هذا الأمر على البلدان التي تبنت ثقافة التجارة الإلكترونية قبل الجائحة فحسب،[17] بل يسري في جميع أنحاء المنطقة، مما يؤشر إلى قبول المستهلكين المتزايد للتسوق عبر الإنترنت وثقة مؤسسات الأعمال، ولا سيما المنشآت الصغيرة والمتوسطة، المتنامية في جدوى العمل عبر الإنترنت. وكجزء من التحول نحو العمل عبر الإنترنت:
تمثل الزيادة في التجارة الإلكترونية والابتكار الرقمي بقيادة القطاع الخاص، بما فيه المنشآت الصغيرة والمتوسطة، واحدة من النتائج الإيجابية التي تمخضت عنها الجائحة. وهي توفر أيضاً فرصة لتحسين منعة الاقتصادات العربية، بدفع من التوسّع في الوصول الرقمي وفي ظل التدابير المتخذة لزيادة خدمات الدفع الإلكتروني. لذلك، يجب على البلدان العربية الاستفادة من هذا الزخم لاستحداث فرص العمل التي تتطلب مهارات وتنويع اقتصاداتها وزيادة حصة الصناعات العالية والمتوسطة التقنية من القيمة الاقتصادية المضافة. والبلدان العربية مدعوة خصيصاً إلى:
تم تسريع جهود الحكومة الإلكترونية، وتوسعت قنوات الخدمات الذكية في العديد من البلدان العربية. وبفضل البوابات الإلكترونية ومع تمكّن موظفي القطاع العام من العمل عن بعد، استمر تقديم بعض الخدمات العامة على الصعيدين الوطني والمحلي. وكانت البلدان الأكثر تقدماً في هذا المجال قبل انتشار الجائحة أفضل استعداداً للتكيُّف بسرعة مع خدمات الحكومة الإلكترونية وتوسيعها.
أطر التعاون الرقمي الدولية والإقليمية: تواصل البلدان العربية بذل الجهود لتفعيل التعاون الرقمي بما يتماشى مع الأطر الدولية والإقليمية، ولا سيما خطوط عمل مؤتمر القمة العالمي لمجتمع المعلومات. [36] ويجري حالياً إعداد خطة رقمية عربية تحت مظلة جامعة الدول العربية، بما من شأنه تعزيز التعاون والتكامل الإقليميين دفعاً لاقتصادات ومجتمعات المعرفة. [37]
ومن الأمثلة على التعاون الإقليمي الجاري في المجال الرقمي:
الحلول الرقمية المفتوحة المصدر: يمكن للبلدان العربية أن تتعاون من أجل تطوير حلول متمحورة حول الإنسان وقادرة على الحد من أوجه عدم المساواة وتسريع تحقيق جميع أهداف التنمية المستدامة. ويمكن لها أيضاً الانضمام إلى تحالفات المنافع العامة الرقمية القائمة[43] أو إنشاء تحالف إقليمي لتعزيز التنمية التعاونية لمثل هذه المنافع. وتشمل المجالات المحتملة الناشئة عن الجائحة نُظُم إدارة المعلومات الصحية المفتوحة المصدر التي يمكن للبلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل نشرها بسهولة. [44]
تقييم السياسات: من أجل تحسين التعاون والتكامل الإقليميين في مجال التحول الرقمي، يجب تقييم السياسات في جميع أنحاء المنطقة لزيادة التعلم اللاحق من الأقران من تدابير الاستجابة الرقمية لجائحة كوفيد-19 ولكن أيضاً لتحسين الفهم المسبق لإمكانات الابتكار الرقمي لسد الفجوات في التعليم والرعاية الصحية ونُظُم العدالة وغيرها من القطاعات على نحو فعال، ولا سيما في البلدان العربية ذات الدخل المنخفض والتي تشهد نزاعات.
تشمل المنافع العامة الرقمية "البرامجيات المفتوحة المصدر، والبيانات المفتوحة، ونماذج الذكاء الاصطناعي المفتوحة، والمعايير المفتوحة، والمحتويات المفتوحة التي تلتزم بالقوانين المتعلقة بالخصوصية وغير ذلك من القوانين والمعايير والممارسات الفضلى الدولية والمحلية المعمول بها، والتي لا ضرر فيها".
الأمم المتحدة، "تقرير الأمين العام، خريطة طريق من أجل التعاون الرقمي"، حزيران/يونيو 2020.
[1] البنك الدولي، "20 مليون دولار لتعزيز التنمية الرقمية في الأراضي الفلسطينية"، 26 آذار/مارس 2021.
[2] البنك الدولي، "توسيعاً لنطاق الشمول الرقمي والمالي: البنك الدولي يدعم إصلاحات المغرب لتحقيق صموده الاقتصادي والاجتماعي"، 17 حزيران/يونيو 2021.
[3] http://covid19.uis.unesco.org/global-monitoring-school-closures-covid19/country-dashboard/
[4] Edx, “Doroob: Free online courses from Doroob”, n.d.
[5] World Bank, “Lessons for Education from COVID-19 Responses”, n.d.
[6] UNICEF, “COVID-19: Are children able to continue learning during school closures?”, 2020.
[7] UNICEF, “Middle East and North Africa: Education”, n.d.
[8] Access Now، "تطبيقات تعقّب مخالطي المصابين بفيروس كوفيد 19 في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا: كابوس يهدّد الخصوصية"، 18حزيران/يونيو 2020.
[9] المملكة العربية السعودية، الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي، "توكلنا"، غير محدد التاريخ.
[10] زاكاري بامبتون، "الإقبال المتباين على لقاحات فيروس كورونا في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا"، 7 تموز/يوليو 2021.
[11] UNESCO, “UNESCO launches Iraqi Fact-Checking Platform (IFCT)”, 26 September
[12] المملكة العربية السعودية، وزارة الصحة، "تطبيقات وزارة الصحة للأجهزة الذكية"، 2021.
[13] United Nations Development Programme (UNDP), “Physical and Mental Well-being and the Role of
Telemedicine during the Covid-19 Pandemic in Bahrain”, 2021.
[14] International Organization for Migration, “IOM Somalia Supports New ‘Telemedicine’ Enhancement for Migrants and Host Communities”, 15 January 2021.
[15] Access Now، "تطبيقات تعقّب مخالطي المصابين بفيروس كوفيد-19 في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: كابوس يهدّد الخصوصية"، 18 حزيران/يونيو 2020.
[16] لجنة النطاق الواسع المعنية بالتنمية المستدامة، التوازن الدَّقيق: بين مُكافحة التّضليل الرقمي واحترام حُريّة التعبير، (جنيف، الاتحاد الدولي للاتصالات، 2020).
[17] United Nations Conference on Trade and Development (UNCTAD), COVID-19 And E-Commerce: A Global Review, (New York, United Nations, 2020).
[18] البحرين، وزارة الصناعة والتجارة والسياحة، "عن mall.bh"، غير محدد التاريخ.
[19] البنك المركزي المصري، موقع رواد النيل (هدفنا عالم مبتكر)، غير محدد التاريخ.
[20] Somalia, Ministry of Commerce and Industry, “Welcome to Somalia Business Registry”, n.d.
[21] دينا الصالحي وآخرون، "الصمود في ظل القيود: أثر جائحة كوفيد-19 على الخدمات المالية في الأردن"، جوباك، 2020.
[22] United Nations Algeria, “United Nations: 2020 Algeria Annual Report”, 2021.
[23] دينا الصالحي وآخرون، "الصمود في ظل القيود"، 2020.
[24] ILO, “Teleworking arrangements during the COVID-19 crisis and beyond”, 2021.
[25] World Bank Group, “Digital Jobs for Youth with Disabilities”, 2021.
[26] الإمارات العربية المتحدة، وزارة شؤون مجلس الوزراء ومكتب رئاسة مجلس الوزراء، "سياسة المتعامل الرقمي والخدمة الحكومية الرقمية"، 2021.
[27] العربية، "السعودية. هيئة الحكومة الرقمية تطلق برنامج تطوير القدرات (قدرات-تك)"، 10 تشرين الأول/أكتوبر 2021.
[28] الأردن، وزارة الاقتصاد الرقمي والريادة، "الاستراتيجية الوطنية للتحول الرقمي والخطة التنفيذية 2021-2025 "، 2021.
[29] Zawya, “Bahrain's virtual courts plan approved”, 23 March 2020.
[30] الإمارات العربية المتحدة، البوابة الرسمية لحكومة دولة الإمارات العربية المتحدة، "التقاضي عن بعد"، 2021.
[31] لبنان، قوى الأمن الداخلي، "المفتشية العامة"، غير محدد التاريخ.
[32] OCHA, “A chatbot named Mila: Answering the call for people in Libya”, 17 May 2021.
[33] United Nations Economic and Social Commission for Asia and the Pacific (UNESCAP), “E-Government for Women’s Empowerment in Asia and the Pacific”, 2016.
[34] Cristina Lago, “Virtual justice: Online trials are an opportunity to reform the court system”, Tech Monitor, 11 May 2021.
[35] الأمم المتحدة، "تقرير شبكة الأمم المتحدة لخبراء الاقتصاد الصادر إحياءً للذكرى السنوية الخامسة والسبعين للأمم المتحدة: تشكيل اتجاهات عصرنا"، 2020.
[36] للاطلاع على ملخص تحليلي لهذه الجهود، انظر: الإسكوا، "تقرير التنمية الرقمية العربية 2019"، 2019.
[37] الإسكوا، "ورشة العمل المشتركة الأولى لتطوير الأجندة الرقمية العربية/استراتيجية تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، حدث مستقل على هامش الدورة الثانية والثلاثين لفريق العمل العربي حول استراتيجية تكنولوجيا المعلومات والاتصالات"، غير محددة التاريخ.
[38] الإسكوا، "المنصة العربية للإدماج الرقمي"، 2020.
[39] الإسكوا، "الخدمات الحكومية الإلكترونية والنقالة"، 2014.
[40] الإسكوا، "جائزة المحتوى الرقمي العربي"، 2021.
[41] المركز العربي الإقليمي للأمن السيبراني التابع للاتحاد الدولي للاتصالات، غير محدد التاريخ.
[42] "الإسكوا، "الحكومة المفتوحة في المنطقة العربية"، 2018.
[43] تحالف المنافع العامة الرقمية الذي دعمه الأمين العام للأمم المتحدة: "تعزيز الحلول المفتوحة المصدر من أجل إقامة عالم أكثر إنصافاً"، غير محدد التاريخ.
[44] النظام العالمي لإدارة المعلومات الصحية DHIS2 الذي طوره قسم المعلوماتية في جامعة أوسلو (HISP) هو خير مثال على ذلك: “The world's largest health information management system — developed through global collaboration led by UiO”, n.d.