أضاءت الجائحة على مكامن الضعف التي كانت تشوب نُظُم الحماية الاجتماعية أصلاً في المنطقة العربية، لكنها حفّزت على تعبئة جديدة للموارد لتوسيع شبكات الأمان الاجتماعي استجابةً للأزمة. والفرصة سانحة اليوم أمام البلدان العربية لاستخلاص عِبَرٍ من هذه التجربة، تفضي إلى بناء نُظُم حماية اجتماعية أقوى تستجيب للصدمات وتوفر تغطية مدى الحياة ومنعة إزاء الأزمات في المستقبل.
الأهداف ذات الصلة المباشرة:
سارعت البلدان العربية إلى الاستجابة للتداعيات الاقتصادية التي تركتها الأزمة على الأفراد والأسر المعيشية فاعتمدت تدابير، منها التحويلات النقدية وإعانات دعم الأجور والإعفاءات من سداد فواتير المرافق العامة وضبط أسعار السلع الأساسية. ومع أن العديد من هذه التدخلات كان محدود النطاق والمدة ولن يصبح من ركائز نُظُم الحماية الاجتماعية في المنطقة، إلا أن الاستجابات الحكومية للأزمة أقرت بالحاجة إلى مساعدة أولئك الذين لم تشملهم البرامج القائمة. ويمكن لتوسيع نُظُم الدعم وتعزيز استجابتها للصدمات، بالإضافة إلى آليات التنفيذ المبتكرة والجهود الرامية إلى تحسين السجلات الاجتماعية والتعجيل بمشاريع الإصلاح الطويلة الأجل، أن تُدخل تحسينات دائمة على نُظُم الحماية الاجتماعية وتدفع باتجاه إحراز تقدم في تنفيذ خطة عام 2030.
تُعرَّف الحماية الاجتماعية على أنها مجموعة من السياسات والبرامج العامة التي تهدف إلى ضمان مستوى معيشي كافٍ والحصول على الرعاية الصحية طوال دورة الحياة. ويمكن تقديم استحقاقات الحماية الاجتماعية نقداً أو عينياً من خلال نُظُم غير قائمة على الاشتراكات شاملة أو مستهدفة، وأخرى قائمة على الاشتراكات، مثل المعاشات التقاعدية، وتدابير تكميلية تعمل على بناء رأس المال البشري وإنشاء أصول منتجة وتيسير الحصول على العمل.
كثيراً ما استخدمت البلدان العربية البنية التحتية القائمة في مجال الحماية الاجتماعية لتوسيع نطاق البرامج استجابةً للأزمة، سواء من خلال زيادة الاستحقاقات المقدمة إلى المستفيدين أو زيادة عدد المستفيدين، وهي استراتيجيات تعرف على التوالي بالتوسّع العمودي والأفقي. وبينما كان العديد من التدابير مؤقتاً، سرّع بعض البلدان عمليات الإصلاح أو أدخل تغييرات دائمة على البرامج القائمة أو ضم عناصر جديدة إلى نُظُم الحماية الاجتماعية خاصّته.
واعتمدت بلدان المنطقة تدابير توسّع مؤقتة استهدفت النساء والأسر التي لديها أطفال وكبار السن والأشخاص ذوي الإعاقة والعمال الذين أفقدتهم الأزمة وظائفهم وغيرهم من الفئات الضعيفة، كما يلي:
وكذلك، حفّزت الأزمة على إجراء إصلاحات دائمة واستشرافية لنُظُم الحماية الاجتماعية ودفعت صانعي السياسات إلى التعجيل بإطلاق برامج جديدة. ومن الأمثلة على ذلك:
بينما تواصل البلدان تنفيذ الإصلاحات للاستعاضة عن الدعم الشامل للغذاء والطاقة ببرامج مستهدفة تخدم الأسر المعيشية الأشد فقراً، يجب إيلاء الاهتمام لـ "الوسط المفقود"، أي أولئك الذين لا يعتبرون فقراء بالدرجة الكافية للاستفادة من برامج المساعدة القائمة على الاستهداف والذين غالباً ما يقصيهم نظام التأمين الاجتماعي القائم على الاشتراكات أو الذين يُستبعد أن يتسجلوا للاستفادة منه في الحالات التي يكون فيها التسجيل الاختياري ممكناً.
[16]
وأكثر المستبعدين من نُظُم الحماية الاجتماعية هم العمال غير النظاميين والزراعيين وأصحاب المهن الحرة (مثل المحامين والأطباء والمتعاقدين المستقلين) والعاطلون عن العمل والشباب خارج دائرة العمالة والتعليم والتدريب. علاوةً على ذلك، كثيراً ما يستثنى العمال المهاجرون واللاجئون والأشخاص ذوو الإعاقة وكبار السن والأشد فقراً والأشخاص المنخرطون في عمل غير مدفوع الأجر (وهم نساء بشكل غير متناسب) من نُظُم الحماية الاجتماعية في المنطقة.
[17]
وتنشأ الفجوات في التغطية إلى حد كبير عن نُظُم التأمين الإقصائية القائمة على الاشتراكات وبرامج المساعدة الاجتماعية المجزأة وغير الكافية ونقص الاستثمار في الحماية الاجتماعية.
ولتنفيذ تعافٍ لا يهمل أحداً، ينبغي للبلدان العربية أن تجد سُبلاً لسد هذه الثغرات وإعمال الحق في الحماية الاجتماعية للجميع. وتشتمل مسارات العمل على ما يلي:
وكما يوضح الشكل 1، تبدو المنطقة العربية متأخرة جداً عن المتوسط العالمي لتغطية العديد من الفئات الضعيفة.
وبالمثل، لا يزال الاستثمار في الحماية الاجتماعية منخفضاً مقارنة بمناطق أخرى، كما يتضح من الشكل 2.
استخدمت البلدان العربية التكنولوجيا وأظهرت مرونة في استجابات الحماية الاجتماعية التي اعتمدتها لمواجهة الأزمة. ويمكن لإجراءات التكيُّف هذه أن تؤثر تأثيراً دائماً في إدارة نُظُم الحماية الاجتماعية في المنطقة وأن تغير كيفية حصول الناس على الاستحقاقات.
وفي معظم أنحاء المنطقة، أصبحت المنصات القائمة على التكنولوجيا وتطبيقات الإنترنت جزءاً هاماً من واجهة المستخدم لبرامج الحماية الاجتماعية:
وفي بعض الحالات، دفعت جائحة كوفيد-19 واضعي السياسات إلى تسريع الجهود الرامية إلى تحسين القدرة الإدارية لنُظُم الحماية الاجتماعية:
وكذلك، تم تكييف آليات التنفيذ مع مقتضيات الأزمة.
تتعرض المرأة خصوصاً لخطر الاستبعاد من نُظُم الحماية الاجتماعية في المنطقة العربية، على الرغم من أنها تتحمل، وعلى نحو غير متناسب، تبعات الأزمات الاجتماعية والاقتصادية، مثل جائحة كوفيد-19. وقد لوحظت الاتجاهات التالية في المنطقة العربية:
الهجرة: استضافت المنطقة العربية حتى عام 2019 أكثر من 40 مليون مهاجر ولاجئ، ما يمثل حوالى 15 في المائة من المجموع العالمي. وعلى الرغم من أن المساعدة الإنسانية كثيراً ما تكون متاحة للاجئين، فإن طول مدة بقائهم في البلدان المضيفة ينشئ احتياجات أخرى للحماية الاجتماعية، مثل التأمين الصحي وتأمين دخل الشيخوخة.[41]كذلك، غالباً ما يعجز العمال المهاجرون غير اللاجئين في المنطقة عن الوصول إلى برامج الحماية الاجتماعية، وقد استبعدتهم معظم تدابير الإغاثة الطارئة التي اتُخذت خلال الجائحة. لذلك، يجب وضع استراتيجيات إقليمية ودولية لضمان استمرار الحماية عبر الحدود الوطنية. وفي هذا السياق، يمكن للأطر الدولية مثل اتفاق الأمم المتحدة العالمي من أجل الهجرة الآمنة والمنظمة والنظامية أن توفر التوجيه المفيد لإنشاء نُظُم حماية اجتماعية غير تمييزية وتحقيق إمكانية نقل الاستحقاقات عبر الحدود. [42]
التمويل: قصُر العديد من بلدان المنطقة، ولا سيما أقل البلدان نمواً والبلدان المنكوبة بالأزمات، عن تأمين الموارد اللازمة لإرساء حدود دنيا فعالة للحماية الاجتماعية. وعليه، يمكن للبلدان العربية العمل معاً لجعل الحماية الاجتماعية مجال تركيز للتعبئة المالية الدولية، وذلك على الأرجح من خلال إنشاء صندوق إقليمي للحماية الاجتماعية لضمان مستوى معيشة أساسي لكل فرد في المنطقة. [43]
بناء القدرات والتعاون التقني: يمكن للشراكات الإنمائية الدولية أن تعظّم أثرها إلى أقصى حد من خلال الاستجابة للاحتياجات الطويلة الأجل للبلدان المستفيدة والعمل، حيثما أمكن، على تعزيز قدرات الحكومات على توفير الحماية الاجتماعية لسكانها من خلال وضع سجلات اجتماعية على سبيل المثال. ويمكن لمبادرات التعاون التقني، بما في ذلك فريق الخبراء المعني بإصلاح الحماية الاجتماعية الذي تديره الإسكوا، أن توفر منابر قيّمة لتبادل المعلومات. كذلك، قد تشكل المحافل الإقليمية مثل مجلس وزراء الشؤون الاجتماعية العرب منصات لتبادل أفضل الممارسات الإقليمية المتعلقة بتغطية نُظُم الحماية الاجتماعية واستجابتها للصدمات وتمويلها وحوكمتها.
"نلتزم بمساعدة العمال المهاجرين في جميع مستويات المهارات للحصول على الحماية الاجتماعية في بلدان المقصد والاستفادة من إمكانية نقل استحقاقات الضمان الاجتماعي والاستحقاقات المكتسبة السارية في بلدانهم الأصلية أو عندما يقررون العمل في بلد آخر".
الاتفاق العالمي من أجل الهجرة الآمنة والمنظمة والنظامية (A/RES/73/195).
[1] الأمم المتحدة، أداة متابعة الحزم التحفيزية المنفّذةالأمم المتحدة، أداة متابعة الحزم التحفيزية المنفّذة استجابةً لكوفيد-19. متاحة على الرابط التالي:http://tracker.unescwa.org/ (تم الاطلاع عليها في 8 تشرين الأول/أكتوبر 2021)؛ World Bank, “Social Protection and Jobs Responses to COVID-19: A Real-Time Review of Country Measures”, version 15, (Washington, D.C., World Bank, 2021).
[2] World Bank, “Social Protection and Jobs Responses to COVID-19”, 2021.
[3] المرجع نفسه.
[4] World Food Programme, “WFP’s Work in Enabling Social Protection in Somalia: Highlights of the World Food Programme’s Contributions to Social Protection in a New Normal”, 2021.
[5] لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا، "دور نُظُم المعلومات المتعلقة ببرامج الحماية الاجتماعية في توسيع برامج التحويلات النقدية خلال جائحة كوفيد-19: تجارب من بلدان عربية مختارة"، تعزيز الحماية الاجتماعية في أُطر الاستجابات للجائحة، 2021.
[6] الأمم المتحدة، أداة متابعة الحزم التحفيزية المنفّذة استجابةً لكوفيد-19. متاحة على الرابط التالي:http://tracker.unescwa.org تم الاطلاع عليها في 8 تشرين الأول/أكتوبر 2021؛International Policy Centre for Inclusive Growth (IPCIG), “Social protection responses to COVID-19 in the Global South: Online Dashboard”, 2021 (accessed on 15 September 2021); World Bank, “Social Protection and Jobs Responses to COVID-19”, 2021.
[7] مصر، وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية، "تقرير المراجعة الوطنية الطوعية لعام 2021 لمصر"، 2021.
[8] مارينا ويس، "إعادة البناء على نحو أفضل: دعم جهود مصر لتحقيق التعافي الشامل للجميع"، البنك الدولي، 22 حزيران/يونيو 2021.
[9] الوطنية، "صرف شيكات الشؤون الاجتماعية لشهر 2020/4. رابط فحص أسماء المستفيدين"، 14 نيسان/أبريل 2020.
[10] Gnet, The National Fund for Retirement and Social Security announces the dispersal of pension funds (French original title: Tunisie : La CNRPS annonce le versement des pensions à partir de demain, mercredi), 23 March 2021.
[11] بوابة الأهرام، "قرار جمهوري بزيادة المعاشات بنسبة 14 في المائة اعتبارا من اليوم"، 1 تموز/يوليو 2020.
[12] الأمم المتحدة، أداة متابعة الحزم التحفيزية المنفّذة استجابةً لكوفيد-19. متاحة على الرابط التالي:http://tracker.unescwa.org (تم الاطلاع عليها في 8 تشرين الأول/أكتوبر 2021)IPCIG, “Social protection responses to COVID-19 in the Global South: Online Dashboard”, 2021 (accessed on 15 September 2021).
[13] العراق، مجلس الوزراء، "مجلس الوزراء يقر مشروع قانون التقاعد والضمان الاجتماعي، يخول وزير المالية التوقيع على عقد أتمتة الإجراءات الجمركية"، 18 تشرين الثاني/نوفمبر 2020.
[14] منظمة العمل الدولية، "سلطنة عُمان تدشن أول نظام أمان وظيفي فيها"، 16 تشرين الأول/أكتوبر 2020.
[15] Le Point, In Morocco, the implementation of generalized social protection (French original title: Maroc : la couverture sociale généralisée mise en œuvre), 16 April 2021; Slate, In the midst of a pandemic, Morocco aims to revolutionize its social protection system (French original title: En pleine pandémie, le Maroc veut révolutionner sa protection sociale), 29 April 2021.
[16] الإسكوا، "إصلاح نُظُم الحماية الاجتماعية في البلدان العربية"، 2019.
[17] الأمم المتحدة، "استجابات الحماية الاجتماعية لجائحة كوفيد-19 في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا/الدول العربية"، 2020.
[18] ESCWA, “Social Inequalities in the Arab Region Post-COVID-19”, 2021.
[19] الأمم المتحدة، "استجابات الحماية الاجتماعية لجائحة كوفيد-19 في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا/الدول العربية"، 2020.
[20] المرجع نفسه.
[21] الإسكوا، "الحماية الاجتماعية المستهدفة في الدول العربية قبل وأثناء أزمة كوفيد 19"، تعزيز الحماية الاجتماعية في أُطر الاستجابات للجائحة، 2021.
[22] المرجع نفسه.
[23] World Bank, “Comoros: World Bank Provides $10 Million to Support Emergency Response to COVID-19 and Recovery”, 10 December 2020.
[24] World Bank, “Lebanon Emergency Crisis and Covid-19 Response Social Safety Net Project”, 4 November 2021.
[25] الإسكوا، "دور نُظُم معلومات الحماية الاجتماعية"، 2021.
[26] ESCWA, “Social Inequalities in the Arab Region Post-COVID-19”, 2021.
[27] الإسكوا، "الحماية الاجتماعية المستهدفة في الدول العربية"، 2021.
[28] المرجع نفسه.
[29] IPCIG, “Social protection responses to COVID-19 in the Global South: Online Dashboard”, 2021 (accessed on 15 September 2021).
[30] المرجع نفسه.
[31] المنبر التونسي، "المحفظة الرقمية بتونس: تطبيقة تُمكن من استلام وصرف الأموال عبر الهاتف"، 6 أيار/مايو 2020.
[32] IPCIG, “Social protection responses to COVID-19 in the Global South: Online Dashboard”, 2021 (accessed on 15 September 2021).
[33] موريتانيا، وزارة الوظيفة العمومية والعمل وعصرنة الإدارة، "وزارة الوظيفة العمومية توزع كميات من المواد الغذائية والتعقيمية على المركزيات النقابية"، غير محدد التاريخ.
[34] الأمم المتحدة، أداة متابعة الحزم التحفيزية المنفّذة استجابةً لكوفيد-19. متاحة على الرابط التالي:http://tracker.unescwa.org (تم الاطلاع عليها في 8 تشرين الأول/أكتوبر 2021).
[35] الإسكوا، "إصلاح نُظُم الحماية الاجتماعية في البلدان العربية"، 2019.
[36] المرجع نفسه.
[37] الإسكوا، "دور نُظُم معلومات الحماية الاجتماعية"، 2021.
[38] ILO, “Social Protection Spotlight: Extending social protection to informal workers in the COVID-19 crisis: country responses and policy considerations”, 14 September 2020.
[39] Australia, Department of Foreign Affairs and Trade, "Social Protection’s Contribution to Social Cohesion”, 2021.
[40] الأمم المتحدة. آثار جائحة كوفيد-19 على المهاجرين واللاجئين في المنطقة العربية. 2020.
[41] منظمة العمل الدولية، التقرير العالمي للحماية الاجتماعية 2017-2019: حماية اجتماعية شاملة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة (مكتب العمل الدولي – جنيف: منظمة العمل الدولية، 2017).
[42] A/RES/73/195.
[43] Olivier De Schutter, United Nations Special Rapporteur on the Right to Food, and Magdalena Sepúlveda, United Nations Special Rapporteur on Extreme Poverty And Human Rights, “Executive Summary: A Global Fund for Social Protection (GFSP)”, 2012.